[معنى الزور]
قال في الحديث: (من لم يدع) يدع: فعل مضارع، وأمره دع كحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) بمعنى: الترك، من لم يترك قول الزور.
والزور -كما يقول علماء اللغة-: هو ملتقى نهاية الفم بأول البلعوم، ففيه زاوية، هذه الزاوية هي الزَور، والعلماء يطلقون عليها الزُور، زَور الإنسان، زَور الحيوان، وسمي الزور زوراً لأنه جاء جانبياً؛ لأن فتحة الفم كان مقتضاها الاعتدال إلى الرقبة، لكن انحنت ونزلت إلى الحلقوم وإلى المعدة.
فالزور: هو ما انحنى عن طريق الاستقامة، ومنه الزائر يأتيك من جانب البيت، لا يأتيك عامداً بطول، مثلاً: يأتي في الشارع، وإذا وصل إلى بيتك انحنى وانعطف على باب مزوره.
وقول الزور: هو القول الذي ينعطف عن الطريق المستقيم، فكل قول انحرف عن الصراط السوي فهو زور، أكبر ما يكون في ذلك شهادة الزور -أي: الكذب- يليها بعد ذلك الكذب في القول، يليها أيضاً النميمة، الغيبة، التنابز بالألقاب.
كل هذه قول الزور؛ لأن التنابز بالألقاب يسيء إلى صاحب اللقب، فكان هذا من قول الزور؛ لأنه مغاير للطريق الذي يحبه أو يرضاه صاحب اللقب.
فقول الزور: هو كل قول جانب الحق، وكما أشرنا: أعلاه شهادة الزور؛ لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان متكئاً بين أصحابه، وحذر من الكبائر، ثم اعتدل وقال: ألا وشهادة الزور، وأخذ يكررها حتى قلنا: ليته سكت) .
ونحن نعلم -يا إخوان- أن شهادة الزور وقول الزور يكفي في تقبيحها أنها تغير الحقائق، وتقلب الأمور، وتبطل الحق، وتحق الباطل، وتضلل العدالة، وأشياء كثيرة جداً، ومن هنا اهتم لها صلى الله عليه وسلم، وكذلك الكذب، ففرق بين الكذب والصدق كما بين الظلام والنور، وما بين الحق والباطل، وما بين الليل والنهار؛ لأنه أيضاً يغير الوقائع، ويحق الباطل، ويبطل الحق.
ما الفرق بين شهادة الزور والكذب؟ شهادة الزور تتعلق بحق لثالث، والكذب يكون مطلق إخبار، مثلاً: جاء زيد؟ لم يجئ، وهو قد جاء ورآه، فهذا كذب.
وفي الحديث: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق) ، الرفث: من الزور أيضاً، وهو الحديث عن النساء بحضرة النساء، (ولا يفسق) : الفسوق الخروج عن الطاعة، كما يقول العرب: فسقت النواة عن الرطبة، أي: خرجت عنها، وفسقت الحبة عن الرحا، أي: نقزت من تحتها ولم تطحن، ومنه الفويسقة، وهي الفأرة تخرج بالخفاء ليلاً وتفسد أو تضرم على الناس بيوتهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوكئوا السقاء، وخمروا الإناء، وأغلقوا الأبواب، وأطفئوا السراج، فإن الفويسقة تضرم على الناس بيوتهم) وقوله: (تضرم على الناس بيوتهم) لأنهم كانوا يستصبحون بالسرج، والسراج: عبارة عن إناء صغير يوضع فيه الزيت، وفتيل يأتي إلى الزيت، وعلى حافة هذا الإناء مثل الكأس، يشعل الفتيل فيظل يضيء ويستمد من الزيت إلى أن يفرغ الزيت وينطفئ، فتأتي الفأرة تريد أن تلحس هذا الزيت، ولكن إشعال طرف السراج بالنار يضايقها، فتدخل ذنبها تحت الفتيل هذا وتخرجه عن إناء الزيت، والحال أنه مشتعل، فينزل هذا الفتيل بما فيه من الشعلة على الفراش فتضرم النار في بيوتهم، فسميت فويسقة بخروجها للإفساد.
إذاً: الفسق يكون بالقول بما يغاير الحق، ويكون بالعين بالنظر إلى ما لا يحل له، ويكون بالسمع حينما يتسمع إلى قول خطأ، اثنان يتكلمان على شخص ثالث بالغيبة أو بالنقيصة، واستمع إليهما، هو لم يتكلم ولكن مجرد سماع، فكما قيل: وسامع الذم شريك لقائله ومطعم المأكول شريك الآكل فإذا تسمع إنسان لاثنين أو جماعة يتكلمون على شخص في عرضه، بنميمة أو بذم أو بكذا، ولم يشارك في الحديث، ولكنه يستمتع بالسماع أو يصغي إليه دون أن ينكر عليهم، فهو مشارك معهم.
والفسق باليد يكون بالبطش وامتدادها واكتسابها ما لا يجوز شرعاً، وكذلك بالقدم حينما يسعى إلى أمر منهي عنه محرم، فكل هذا من أنواع الفسق بالجوارح التي يكون عن طريقها.