قوله:(ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر مالم تطلع الشمس) .
وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، والفجر فجران كما قال صلى الله علي وسلم:(الفجر فجران: فجر يلوح في الأفق كذنب السرحان -أي: مرتفع عمودي مثل ذنب الذئب- وفجر ينتشر -كجناحي الطير- يمتد في الأفق) ، فالفجر الأول لا يُحل الصلاة، ولا يُحرم الطعام، وهو لحظات ويختفي، والفجر الثاني هو الذي يحل الصلاة، ويحرم الطعام على الصائم.
قال الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره: الفجر الأول فيه آية من أعظم آيات القدرة الإلهية، وذلك أن الفجر الثاني مسبب عن اقتراب الشمس، فسبقت أشعتها حتى انفجر ضوء الفجر من ظلام الليل، فطلوع الفجر الصادق هو نهاية الليل، وهو أثر من آثار حركة الشمس وقربها منا، والشفق هو: بقايا حركة الشمس وذهابها عنا، فالفجر الثاني والشفق أثران من آثار الشمس، وهذا معقول في السببية، لكن الفجر الأول نور يمتد في الأفق، ومن أين يأتي هذا النور؟ هل هناك كوكب أضاء تلك اللحظة حتى ظهر هذا الفجر، ثم ذهب ذلك الكوكب؟ لا يوجد! وهل هو من القمر؟ لا يوجد قمر! وهل هو أثر من الشمس؟ لكن الشمس ما زالت بعيدة! قال: وهذا دليل على قدرة المولى سبحانه بأن يوجد المسبب بدون سبب، وليس السبب إلا أمراً معقولاً بالنسبة إلينا، والله سبحانه قادر على أن يوجد الشيء بلا أسباب، بل بمحض الإرادة والقدرة الإلهية، فليس هناك شمس، وهذا أثرها! ونحن نقرأ في أحوال الجنة {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا}[الواقعة:٣٥-٣٧] ، فالحور العين اللاتي في الجنة خلقهن الله من غير أبوين، فهن لسن من ذرية آدم وحواء، وإنما أنشأهن الله إنشاء من غير أب ولا أم.
البشر من ذرية أبينا آدم وأمنا حواء كما قال الله:{وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[النساء:١] ، وخلق الله عيسى من مريم من غير أب، فهناك أسباب ومسببات، لكن الحور العين في الجنة خلقت بلا أب ولا أم، والطيور التي في الجنة ليست من نسل طيور، وكذلك اللحوم الموجودة، والفواكه الموجودة، لا نقول: إن الفواكه من غرس في الجنة، وإن الطيور الموجودة هناك يكون لها بيض وعشش ثم تفقس البيض عن طيور، بل ينشئها الله سبحانه وتعالى بدون أن يتوقف وجودها على سبب مادي.
فكذلك الفجر الأول هو دليل على قدرة المولى سبحانه، ودليل على أنه قادر أن يوجد الشيء بدون مسببات مادية، وأما الفجر الصادق الذي به تحل الصلاة، وبه يحرم الأكل والشرب على الصائم.
فيكون عند انتشار الضوء في آخر الليل، وذلك حين يتبين الخيط الأبيض وهو الفجر، من الخيط الأسود وهو الليل.
قال المؤلف: [وله من حديث بريدة في العصر: (والشمس بيضاء نقية) ] .
في الحديث الأول قال:(ما لم تصفر الشمس) ، وهنا ذكر مفهومه وهو:(والشمس بيضاء نقية) ، أي: ما دخلتها الصفرة ولا الحمرة.
قال المؤلف:[ومن حديث أبي موسى: والشمس مرتفعة] .
أي: لم تتضيف للغروب، وقد ذكرنا أن دائرة الشمس من شروقها إلى غروبها ثماني عشرة درجة، ووقت الزوال عند الدرجة التاسعة من الثماني عشرة، وما بين كبد السماء إلى الغروب تسع درجات، فحينما تزول الشمس من كبد السماء إلى جهة الغروب تكون أمامها تسع درجات، وبعد أربع درجات ونصف تكون الشمس في نصف ربع الدائرة العلوي، فوقت العصر حين تكون الشمس في نصف الربع الأعلى، وحينئذ تكون الشمس بيضاء نقية؛ لأنها لم تقترب جداً من جهة الغروب، وعندما تقترب من جهة الغروب تحمر أو تصفر.