[الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول الخلاء]
[وعنه رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) أخرجه السبعة] .
الأدب الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء، أي: أراد الدخول أيضاً، قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبْث) بالتسكين أو (من الخُبُث) بضم الباء، فالخبْث: بالتسكين جمع خبيث، ويشمل الجمادات كخبائث الطعام، وخبائث الماديات، والأشغال النتنة والقبيحة، والخبُث: جميع خبيث، وهم شياطين ومردة الجن، والخبائث: جمع خبيثة، فذكران الشياطين الخبُث، وإناث الشياطين خبائث.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم) يقول علماء العربية: (الميم) في (اللهم) عوضاً عن الياء في أول الكلمة، أصلها: يا ألله، فالأصل أن يؤتى بحرف النداء في الأول، فإذا لم يأت حرف النداء جاءت الميم في الآخر (اللهم) .
(إني أعوذ) قالوا: أعوذ وألوذ بمعنى أحتمي، والاستعاذة: هي الاستجارة والحماية والاحتماء بمن تستعيذ به، وعندنا صيغة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وهنا يستعيذ صلى الله عليه وسلم بالله من هذا الصنف من خبائث الجن ذكوراً وإناثاً؛ لأنه لا يعيذ الإنسان منها إلا الله، وبالاستعاذة بالله تكفي شرها؛ ولهذا كنا نسمع من والدنا الشيخ الأمين رحمة الله علينا وعليه يقول: علمنا الله كيف نصانع أعداء الإنس ونتحفظ من أعداء الجن في الآية الكريمة: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} [فصلت:٣٤] السيئة ستأتي من العدو: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤] فيقول: إذا كنت تريد أن تكتفي شر عدو الإنس فقابل إساءته بالإحسان.
وأظن أنه قيل لواحد واسمه شكسبير: نراك تصانع أعداءك، أهذا ضعف منك؟ قال: لا، أترونني حينما أصانعهم أكتفي شرهم أم لا؟ قالوا: بلى.
قال: هذا خير من أن أجاهدهم وأواجههم.
والقرآن الكريم يبين لنا بأنه لا تستوي الحسنة منك ولا السيئة من عدوك، فادفع سيئة العدو بالتي هي أحسن منك تكتفي شره، فإذا هذا العدو المعادي لك كأنه ولي حميم.
ولكن لا ينالها كل أحد ينالها: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥] فهذا الجانب هو الاكتفاء من شر عدو الإنس.
والجانب الثاني: الاكتفاء من عدو الجن، وهو يأتي بعد ذلك مباشرة: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت:٣٦] فهنا عدو الجن لا تستطيع أن تصانعه، ولا أن تدفع سيئته بأن تحسن إليه، ولا تراه ولا تستطيع أن تعامله معاملة الإنسي، فليس لك مفر ولا مهرب منه ولا سلامة من كيده وشره إلا أن تستعيذ بالله منه؛ لأنه الأقدر عليه والأعلم بحاله.
وهنا: (اللهم إني أعوذ بك) : أي: ألوذ بك، وأحتمي بك.
(من الخبُث والخبائث) ، أي: من ذكران الشياطين المتمردة ومن إناثهم.
إذاً: الشياطين فيهم ذكور وإناث، وفيهم تزاوج وتناسل، وفيهم تكاتف، وهذا كما جاءت الأخبار في ذلك مستفيضة.
وعلى هذا: لماذا يقول ذلك عند دخول الخلاء ولم يقل ذلك حينما يأوي إلى فراشه لينام، ولم يقل ذلك حينما يريد أن يأكل أو يلبس ثيابه؟ قالوا: لأن بيوت الخلاء هي مسكن هؤلاء الأشرار (الخبث والخبائث) أما الصالحون الذين لا يتمردون فلا يسكنون بيوت الخلاء، ولا يأوون إلى محلات النجاسات، ولكن: إما أن يسكنوا في البيوت الخربة، أو في بعض الآبار وخاصة المهجورة، أو حتى الآبار المستعملة.