في قولها:(وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة) جاء عند البخاري ومسلم زيادة وهي: (لحاجة الإنسان) ، وهذه كناية أيضاً؛ لأن حاجة الإنسان من الأمر الذي لا يستغني عنه قط، وهي حاجة الحيوان أيضاً، وقد فسرها سفيان الثوري: بالبول والغائط، فكان صلى الله عليه وسلم إذا كان في معتكفه لا يدخل البيت إلا للضرورة.
وهنا قال العلماء: إذا دعت الظروف لحاجة أخرى سوى الضرورية التي هي البول والغائط فيجوز أن يدخل المعتكف البيت، كما لو احتاج إلى التداوي، أو احتاج إلى حجامة، أو احتاج إلى فصد، والحجامة لا تتأتى في المسجد مخافة من تلويثه بالدم، وكذلك الفصد وكذلك التداوي، فإذا كانت هناك ضرورة تقتضي دخوله البيت دخل للضرورة، وإذا دخل للضرورة امتنع عليه الذي يمتنع على المعتكف من المباشرة التي هي الجماع.
قوله:(وكان لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان) الرسول صلى الله عليه وسلم كان بيته في المسجد، ففرع الأئمة رحمهم الله على ذلك وقالوا: لو كان للإنسان بيتان: بيت قريب من المسجد، وبيت بعيد عنه، وكلاهما له فيه زوجة وأهل، فهل يحق له أن يعمد إلى البيت البعيد ويطيل المسافة والزمن بعداً عن معتكفه، أو يتعين عليه أن يقضي حاجته في البيت القريب؟ ومثله إذا كان له صديق وبيته بجوار المسجد وأذن له صديقه أن يقضي حاجته عنده، فهل يلزمه أن يقضي حاجته في بيت صديقه القريب لقربه أو لا؟ أما بيت صديقه فيتفقون على أنه لا يلزمه؛ لأن الإنسان قد يستحي في هذه الحالة، ولا يأخذ راحته كاملةً إلا في بيته.
أما البيت البعيد والقريب فإن الجمهور على أنهما سواء، ولكن الأولى والأفضل أن يختار الأقرب اختصاراً للوقت وتقليلاً لبعده وانقطاعه عن محل معتكفه.
وهكذا الآن في الوقت الحاضر توجد محلات المياضي حول المسجد، فإذا كانت هذه المياضي عامة، ويمكنه أن يقضي حاجته فيها بالقدر الذي يقضيه في بيته فالأولى أن يقضي حاجته فيها، فإن كان يستحي أن يقف لينتظر محلاً يخلو، أو إذا دخل يتحفظ من صوت أو ريح، فليس بلازم عليه أن يقتصر على هذه القريبة، وله الحق في أن يذهب إلى بيته ليقضي حاجته على راحته.