قال صلى الله عليه وسلم:(وكان النبي يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) .
هذه هي الخامسة، وهي عموم وشمول الرسالة، فقد كان النبي يبعث في قومه خاصة، فلوط بعث في قومه، وإبراهيم بعث في قومه، ونوح بعث في قومه، وإن كان نوح عليه السلام بعد الطوفان أصبح لجميع من على وجه الأرض؛ لكن هذا العموم طرأ بعد أن غرق كل من عدا من آمن معه؛ ولكن أصل بعثته لقومه خاصة:{يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[نوح:٢]{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ}[نوح:١] ، فبعد أن وقع الطوفان، وغرق سوى من لم يؤمن، أصبح لا يوجد على الأرض إلا من تبعه، فلا نقول: إن رسالته عامة للناس؛ لأن هذا العموم طارئ بعد فناء من لم يؤمن، فأصل رسالته عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام خاصة لقومه.
وهكذا صالح أرسل إلى ثمود، وهود أرسل إلى عاد، وهكذا كل واحد من الأنبياء أرسل لقومه، إلا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ}[سبأ:٢٨] ، فرسالته عامة للأسود والأبيض والأحمر، والعربي والعجمي، وكل بشر على وجه الأرض شملته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال:(ما من أحد سمع ببعثتي ولم يؤمن بي إلا دخل النار) ، (سمع) من أي الأجناس، في أي بقعة على وجه الأرض، وأعتقد أنه لا يوجد على وجه الأرض بشر إلا وقد سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا -في نظري- أولئك البشر الذين يعيشون في بعض الغابات في آسيا، ولم يتعرفوا على البشر، ويعيشون عراة تحت الأشجار، وبعض الدول هناك تذهب وتأخذهم كما يؤخذ الصيد، وتأتي بهم إلى المدن وتحاول أن تلبسهم فيمزقون اللباس، فجعلت لهم بيئة كبيئة الغابة بالفعل، وجعلت أنهاراً في وسط الأشجار، فتأتي أول ما تأتي بهم وتطلقهم في هذه الغابة المصنوعة، وبعد فترات تجعل لهم أكواخاً صغيرة، وتضع أطعمة في بعض الصحون، فيأكلون الأطعمة ويكسرون الصحون، وعندما يتآلف الشخص منهم يأتون إليه بنوع من القماش، ويفتحون فيه فتحة من الوسط ويدخلون رأسه، ويتركونها عليه جزء منها من الأمام، وجزء منهما من الوراء، فإذا بهم يخلعونها ويرمونها، ويعودون إلى العراء، وبعد فترة يألفون هذا اللباس، ثم بعد ذلك يعطون قميصاً واسعاً، ثم بعد ذلك يخاط القميص والسراويل ويألفون عليها وهكذا.
ويحكون عنهم أنه إذا برز واحد من طرف الغابة التي يعيشون فيها ورأى بشراً من بعيد هرب ودخل إلى الغابة، فهؤلاء لا أدري هل بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم؟! الله أعلم، ولكن الذي يهمنا أن دعوة رسول الله عامة حتى لهؤلاء، وعلى ولاة المسلمين أن يعملوا على إبلاغها لهؤلاء ما استطاعوا لذلك سبيلاً.
وهذه الخصيصة تعتبر من الخصائص المتميزة التي ذكرت، ومن أراد الوقوف على أكثر من ذلك فليرجع إلى فتح الباري، أو إلى الخصائص للسيوطي، أو إلى الخصائص النبوية للبيهقي، فهناك أشياء عديدة في شخصه صلى الله عليه وسلم، وفي قوته وشجاعته وكرمه، وفي بيته مع نسائه، وأشياء عديدة يمكن أن تمر بالإنسان في بعض الأحاديث فيدرك خصوصيتها.
أما ما لم يأت التنصيص على خصوصيتها لرسول الله فإن العلماء يقولون: كل ما أمر به ولم يفعله فعدم الفعل له من خصائصه، وكل ما نهى عنه وفعله فهو من خصائصه ولا يقتدى به في ذلك، وبالله تعالى التوفيق.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه.