للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التيمن عند العلماء]

فأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها تخبرنا بأنه كان يعجبه التيامن.

والأمور التي ذكَرَتْها، كالتنعُّل، وهو لبس النعال والجورب، والترجُّل، وهو تسريح الشعر، وفي لبس الثياب كان يبدأ بالكم الأيمن، كل هذه أمور جِبِلِّية، أي: تطلبها الجِبِلَّة والخِلقة، ولكن الوصف الذي كان يعجبه صلى الله عليه وسلم فعله هو التأسي، وهو السنة.

وفي الوضوء والغسل كان يعجبه التيمُّن في وضوئه وغسله.

وسيأتينا في كيفية الغسل أنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ فيغسل فرجه، ثم يحتُّ يده بالأرض، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ويؤخر قدميه، ثم يفيض الماء على شقه الأيمن، ثم يفيض الماء على شقه الأيسر، فحصل التيامن في الغسل.

وعائشة رضي الله تعالى عنها تقول: (كان يعجبه) ، والذي يعجبه حده الاستحباب، وهذا رأي الجمهور، فالتيامن في الوضوء للاستحباب عندهم.

وهناك من غير الأئمة الأربعة من يقول: إن التيامن واجب؛ لأنه ليس هناك مضادَّة، ولا خلاف بين كونه يعجبه وكونه واجباً، والواجب سيعجبه أيضاً.

فقالوا: لا منافاة، فهو واجب يعجبه ولكن التعبير بـ (يعجبه) دون التعبير بـ (يلزمه) ، أو (كان يأمر) ، أو (كان يوجب) يوحي بأن هناك فارقاً.

وبالنظر إلى الأمر في كتاب الله في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] فإن غسل اليدين في الآية مجمل، وجاء فعله صلى الله عليه وسلم مبيِّناً، وقد بدأ باليمنى، فلماذا لا نقول: هو واجب؟ فكان على مقتضى ما تقدم أن يكون التيامن واجباً، لكنهم قالوا: جاء عن الحسن وغيره أن علياً.

قال: (لا أبالي بدأت باليسرى أو باليمنى إذا أتممتُ الوضوء) .

وقالوا: (إنهما كالعضو الواحد) ، ولذا جُمعا في قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] فإذا غسلهما بأي صورة ما تيامن أو تياسرَ تم الغسل المطلوب.

فإن قيل: وأين تذهبون عما قاله الأصوليون أن بيانه للمجمل يأخذ حكم المجمل، وغسل اليدين واجب، فيكون بيانه واجباً؟ قالوا: يمنع ذلك ما نقل من الإجماع أنه سنة، وما نقل عن بعض السلف، ولهذا يقول ابن دقيق العيد وغيره: لولا نقل الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن التيامن سنة لكان مقتضى دوام فعله يقتضي الوجوب.

وعلى هذا يكون التيامن من باب السنة، فإذا فعل إنسان خلاف ذلك صح وضوءه ذلك إلا من يقول: لا ينبغي تعمُّد ذلك، ولعل هذا من أحسن الأقوال، فمن ترك التيامن نسياناً وصلى نقول: وضوؤه صحيح، ولكن من تركه تعمداً فهناك الخطر عليه؛ لأن القول بالوجوب بمقتضى بيان رسول الله ودوام فعله، ولم يُنقل عنه مرةً واحدة أنه بدأ بالشمال دون اليمين، فإن هذا كله يقوِّي القول بالوجوب، كما تقول الهادوية وغيرهم، وكما يقول الشوكاني: لولا نقل الإجماع لكان القول بالوجوب قوياً.

والله تعالى أعلم.