في الواقع أن الحديث عن جوانب عدالة الإمام والأمثلة على ذلك مما نقرؤه في التاريخ من بعد الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم، يضيق المقام عن أن نسرده في جلسة أو في ناحية، وقد أشرنا إلى ذلك بقدر ما توصلنا إليه في تلك الرسالة التي جمعناها بعنوان: من يظلهم الرحمن في ظل العرش.
والعدالة التي قرأنا عنها في زمن الصحابة -خاصة في باب القضاء- فيها نماذج عجيبة، ومما يذكر وكيع في أخبار القضاة: أن شريحاً وكان قاضياً بالكوفة في خلافة علي رضي الله تعالى عنه؛ دخل عليه علي وهو الخليفة، ومعه يهودي يخاصمه في درعه، فقال القاضي: ما تقول يا يهودي؟! قال: هو درعي، وفي يدي، فقال شريح لـ علي: ما بينتك على أن هذا الدرع لك؟ قال: الحسن بن علي وقنبر، قال: أما قنبر فنعم؛ لأنه مولاه، وأما الحسن فلا نقبل شهادته لك، قال: ويحك يا شريح! أما سمعت أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين) ؟ كيف ترفض شهادة سيد شباب أهل الجنة؟ قال: لا أرفضها؛ لكنها تُرفض إذا كانت لك أنت؛ لأنه ولدك! انظروا إلى هذه المواجهة! ثم قال: هل لك شاهدٌ آخر؟ قال: لا، قال: إذاً: اذهب -يا يهودي- بدرعك، فخرج علي وحينما وصل إلى الباب استوقفه اليهودي، وقال: قف يا علي! والله إن الدرع لدرعك، كان على راحلتك فسقط فأخذته، وأنا أنكرتك فيه لتذهب بي إلى القاضي؛ لأنظر كيف يفعل قاضي المسلمين مع يهودي، أما والحال كذلك فخذ درعك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ففرح بذلك علي؛ لأن دعواه كانت غير ثابتة، أما الآن فصدقه في دعواه، فقال: الدرع لك ومعه مائتا درهم! فأية عدالة بعد هذا؟! يوجد نماذج كثيرة -يا إخوان- ويكفي التنويه، ونحيلكم على بعض النماذج في تلك الرسالة التي أشرنا إليها، وبالله تعالى التوفيق.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.