المساقاة كما ذكر المؤلف عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: مأخوذة من السقي.
قالوا: لأن أرض الحجاز ماؤها قليل، والسقي ضروري في زرعها، بخلاف أهل الأمصار الأخرى، فقد تكون عندهم الأنهار والعيون، والمياه لديهم متوافرة، فلا تحتاج إلى كلفة في السقي.
أما في الحجاز فإن المياه قليلة، وتحتاج الزراعة فيها إلى جهد في سقيها، والسقي أهم كلفة الزراعة في الحجاز، فقد يعجز صاحب النخل أو الشجر أن يقوم عليها بمئونتها حتى تأتي الثمرة، ويكون هناك شخص آخر لديه خبرة واستعداد، فيقوم في هذا النخل أو غيره بالسقي وما يلزمه لإنتاج الثمرة على جزء مما يأتي به الأصل.
إذاً: هناك مناسبة قوية بين القراض والمساقاة، فالقراض ربما صاحب المال لا يحسن استثماره، ويكون هناك شخص يحسن الاستثمار وليس عنده رأس ماله، فيتعاونان معاً ويتبادلان المنفعة، وكذلك صاحب الزرع أو الغرس قد لا يكون قادراً على مواصلة العمل فيه، ويوجد شخص آخر لديه خبرة، ويستطيع أن يقوم بالعمل فيه، فيتبادلان المنفعة.
والأصل في هذه المعاملة ما ذكره عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما:(أن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر) ، أو هم طلبوا منه أن يقرهم عليها، والثمرة بينهما مناصفة.
وفقهاء الأمصار جميعاً يقرون هذا النوع من المعاملة على اختلاف في نوع الشجر، فهناك من يقول: لا تكون المساقاة إلا في النخل.
وهذا قول ابن حزم، وهناك من يقول: المساقاة في كل شجر له ثمر، كما قال مالك رحمه الله، كما في الكرْم والرمان والتين والفرسك -الخوخ- والمشمش، والحنابلة يقولون: يصح في كل غرس ثابت الأصل له ثمر.
ويختلفون في الشجر الذي لا ثمر له، إلا إذا كان له وسيلة انتفاع من غير الثمر كالورق، فمثلاً شجرة الحناء والتوت، فورق الحناء يستعمل خضاباً، وورق التوت يستعمل غذاء لدود القز، وهكذا إذا كانت هناك فائدة يمكن أن يستفيد منها العامل من جراء سقيه لهذا النوع من الشجر فلا بأس، أما ما لا ثمرة له بالكلية فلا تصح المساقاة فيه؛ لأن المساقاة عمل على جزء من الثمرة التي تحصل، فإذا كان الشجر لا ثمرة له؛ فحينئذ ليست هناك مساقاة.