في سنة من السنوات في موسم الحج، كان شخص له ضلع كبير جداً في عمل الاشتراكية، وحصلت هناك بعض المناقشات وتساءلت من يكون؟! وكانت هناك أمور كما يقال شخصية أو سياسية، وكان الرجل فيه عنصر خير، فذهب وجاء بشيء من الخبز والملح والماء، وقال: أريد أن تأكل معي ليكون بيننا ارتباط بالعيش والملح، فقلت: كلنا إن شاء الله عندنا ارتباط بالإسلام قبل العيش والملح، ماذا عندك؟ قال: سألتك بالله -تأملوا هذا يا إخوان- الاشتراكية من الإسلام أو ليست منه؟ قلت له: ما ثقافتك أولاً وما عملك؟ فعرفت أن له ضلعاً كبيراً في عمل الاشتراكيات ودرس حقوق، قلت له: أنت رجل عاقل ومتعلم، وسترجع إلى بلدك سل جميع العلماء: كلمة (اشتراكية) هل توجد في مصدر من مصادر الشريعة، حديث فقه تفسير أم لا؟ لا، لن تجدها في كتب التفاسير، ولا في كتب شراح الحديث، ولا في كتب الفقه، فضرب صدغيه، وقال: ومن أين جاءوا بها؟ قلت: سلهم وأنت أعلم، ثم قلت له: لعلك درست التاريخ والقانون الوضعي، ومن أصول القانون الوضعي: أنه إذا لم يوجد في القانون نص على مسألة أخذ حكمها من الشريعة الإسلامية، فهل وجدت في القانون مصدراً إسلامياً عن الاشتراكية؟ قال: لا، قلت: اذهب واسأل؛ فإذا أخبرك واحد عن موضع ومرجع واحد فأخبرني، ولك ما سميت من الجائزة.
فأخذ الرجل يبكي وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما بال العلماء يسكتون؟ قلت له: من المشانق التي نصبتموها، ثم كانت أشياء كثيرة بيني وبينه، فقال: أعاهدك، قلت: على ماذا؟ قال: أني إذا رجعت سآخذ المصحف معي من المدينة، قلت: المصاحف تأتينا من بلادكم، فخذها من هناك، قلت: ولماذا؟ قال: لأحفظ أبنائي كتاب الله، فلقد حفظتهم كتاب الميثاق، وسوف أحفظهم كتاب الله من المصحف كما حفظتهم الميثاق، وقال: جزاك الله خيراً.
ثم قلت له: أنت درست التاريخ الإسلامي كمادة، فهل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان بن عفان جهز جيش العسرة؟ وأن عبد الرحمن بن عوف تصدق بقافلة بما تحمل من مواد التجارة وما فيها من عبيد وإبل في سبيل الله؟ وكان هناك أبو هريرة يصرع من الجوع في المسجد، وقال: كنتم تشتغلون بالصفقات والزراعة، وأتبع رسول الله على ملء بطني، فهل أخذ رسول الله من عثمان شيئاً يعطيه لـ أبي هريرة ليقيم صلبه؟ قال: لا.
بل الرسول صلى الله عليه وسلم انتقل من الدنيا بكاملها ودرعه مرهونة عند يهودي في آصع من شعير، فهل أخذ من ابن عوف أو عثمان أو غيره لنفسه ولبيته؟ قال: لا، قلت: إذاً: ما لم يكن في ذلك الصدر وفي ذلك التاريخ المبارك النير هل يكون في هذا الوقت؟! ما كان لنا أن نتكلم في هذا الموضوع وقد انتهت الشيوعية وتقوضت أركانها بحمد الله، وعرف الناس الحق، وهم يرجعون الآن عن الباطل تدريجياً إلا لمرور هذا الحديث، لأنه كان عدتهم.
ثم قلت له: أنتم تناقضون مبدأكم الآن، قال: لماذا؟ قلت: الماء الذي تدخلونه في العمارات الناس فيه شركاء، وأنتم تضعون عداداً باللتر أو المتر المكعب وتأخذونها وتبيعونها عليهم، تيار الكهرباء الذي يدخل البيوت ويشغل الأجهزة، أليست هذه نار وطاقة أو هل جعلتموهم شركاء فيها أو جعلتم عدادات تعد بالإمبير وتأخذون القيمة؟ إذاً: ناقضتم أنفسكم.
إذاً: يا إخوان نحن وللأسف تعرضنا لهذه النواحي وإن كانت قد انتهت، لكن لنبين زيف ما كانوا يتمسكون به، ولنبين لإخواننا الذين يغترون بمقالات الآخرين بأن الشركة في هذه الثلاث إنما هي حينما تكون عامة، أما بعد الاختصاص فلا دخل لأحد فيما عند الآخر، وبالله تعالى التوفيق.