[قصص واقعية للجن مع الإنس]
ومن غريب ما سمعت من أحد الأشخاص، سمى لي بيتاً -وأنا أعرفه وهو موجود- كان هذا البيت موجوداً إلى عهد قريب بجوار مبنى البريد الآلي الموجود، وأنتم تعرفون أن المدينة ليلة العيد يكون فيها حركة، فالنساء تغسل البيوت وتهيئ الفراش، والرجال في الأسواق يشترون، وفي حركة دائمة، فيذكر لي أناس من نفس هذا البيت، أنهم طوال الليل، وهم يسحبون الماء من البئر ويغسلون الحجر والبيت، فإذا هم يسمعون صوتاً من داخل البئر: يا جماعة! ألا تنامون! طلع الفجر ونحن نريد أن ننام، فالبنت قالت: نطلع دلوين فقط ونغلق.
وقالت: نحن متعودون على ذلك من زمان يكلمونا ونكلمهم! ثم يحدثني رجل أنه كانت هناك زمالة وصداقة بين عمه وبين الجن وذهاب وإياب، فيقول: قال لي عمي: اجلس عند النافذة -وكان عمه يعمل في جمع المصاحف وتوزيعها في الروضة، ويعطيها الناس ليقرءوا فيها يوم الجمعة، وبعد أن يذهب الناس يجمعها ويرتبها في مكانها- حتى إذا دق الباب فتحت، يقول: كنت صغيراً ولم أكن كبيراً جداً، قال: وبينما أنا جالس أسمع الأذان فقبل أن ينتهي المؤذن من الأذان سمعت حركة في البئر، فقلت: ربما أنا أتخيل أو أن هذه حركة عند الجيران، وبينما أنا جالس عند النافذة إذ بي أسمع خفق نعال على الدرج كأن إنساناً لابس (قبقاباً) ويمشي في الحجر.
قال: فتجمدت في مكاني! ثم نظرت فإذا بالباب ينفتح ثم يغلق! وبعد أن انتهى الإمام من خطبته وصلاته وقال: السلام عليكم، فما هي إلا لحظات وإذا بالباب ينفتح ثم يغلق، يقول: ثم جاء عمي فدق الباب، يقول: خذ المفتاح وافتح.
لماذا لا تنزل؟ قلت: أنا لن أنزل، افتح أنت واصعد، فلما فتح الباب وصعد أراد أن يضربني، قلت له: اصبر اصبر فذكرت له القصة فضحك، يقول: أنا أحترق في نفسي وهو يضحك.
ثم قلت: يا عم! لماذا تضحك؟ يقول: هؤلاء من زمان قديم وهم يسكنون عندنا، يذهبون ليصلوا الفجر، ويذهبون ليصلوا الجمعة، ونحن وهم مصطلحون وليس بيننا شيء.
إذاً: الجن غير الخبائث والخبيثات، فإنهم لا يسكنون في مواطن النجاسات كالمراحيض، ولكن يسكنون في المحلات البعيدة عن النجاسة، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (إن مؤمني الجن ليهاجرون إليها كما تهاجرون أنتم) وجاء ذلك في قصة وقعت أيام في غزوة الخندق، عندما جاء الصحابي الذي استأذن رسول الله أن يدخل بأهله، لأنه كان حديث عهد بعرس، فقال: (خذ سلاحك إني أخشى عليك يهود بني قريظة) ، فلما وصل إلى باب البيت فإذا زوجه واقفة على باب البيت بدون حجاب وستر، فأراد أن يهوي إليها برمحه، قالت: لا تعجل! ادخل بيتك، وانظر فراشك ما فيه! فدخل فإذا حية على طول الفراش، فانتظمها بالرمح ولم يسم الله، تقول الزوجة: والله لا أدري أيهما كان أسرع موتاً الحية أم الرجل! فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (هذا من الجن، قتله ولم يسم الله فانتقم له أصحابه فقتلوه، إذا رأى أحدكم شيئاً من هذه الحيات في البيوت فليؤذنها ثلاث مرات، فإن رآها بعد ذلك فليقتلها) .
ومن هذا يتبين أن الجن المؤمنين يهاجرون إلى المدينة كما يهاجر الإنس ويسكنونها، ويأتون إلى المسجد، ولكن: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:٢٧] .
وسمعت من الشيخ ابن عثيمين -الله يغفر له ويرحمه- في مسجده في مدينة المجمعة يقول: أخبرني الشيخ بأنه كان في صلاة الضحى في بيته، فإذا بجماعة يسلمون عليه ولم ير أحداً، قال: من أنتم؟ قالوا: يا شيخ! نحن تلاميذك في المسجد، وجئنا ولم نستأذن منك، فنريد أن يكون حضورنا دروس الفقه بإذن منك، دروس الفقه.
قال: لا بأس؛ بشرط: أن تظهروا للطلاب، فربما آذوكم أو تأذوا منكم.
قالوا: نعم.
إذاً: في هذا الحديث يبين لنا صلى الله عليه وسلم أن خبائث الجن تسكن في الأماكن القذرة ولهذا أيضاً فأعمال الشر من السحرة والفسقة لا تتم إلا في تلك الأماكن، ولا تتم أبداً في أماكن متنزهة كبستان، أو مجرى نهر، إنما تصلح معهم في تلك الأماكن حيث يسكنها خبائث الجن وخبيثاتهم، وهم اللذين يعينونهم على الشر.
والله تعالى أعلم.