وجاء عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله ومن وافقه: أن آل البيت لا يأخذون الصدقة التي هي الفريضة، التي جاء فيها أنها أوساخ الناس، أما صدقة التطوع فيأخذونها لأنها كالهدية، فلا بأس أن يُعطوا من الصدقة التي ليست بفريضة وليست بنذر ولا بكفارة، وإنما هي تطوع من صاحبها، فإنها تشبه الهدية فلا تحرم على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك إذا تعطل نصيبهم من الغنيمة أو من الفيء فلم يبق لهم إلا بيت مال المسلمين، فلهم أن يأخذوا من الزكاة سواء من الفريضة أو التطوع لحاجتهم وانقطاع موردهم، فهذا هو ما يقتضيه الواقع، ولا ينبغي أن يترك آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم للفاقة والحاجة على أنهم لا تحل لهم الصدقة، فالصدقة لا تحل لهم حينما كان هناك عوضٌ عنها، أما إذا لم يكن هناك عوض فإنهم يستحقون منها، بل هم أولى من غيرهم لصلتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يعرفون لآل البيت مقدارهم ويكرمونهم ويعظمون شأنهم في سبيل الله، محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترافاً بفضل صلتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونحن نعلم جميعاً ما جاء عن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه حين خرج بالمسلمين ليستسقوا، فقال عمر:(يا عباس! قم فادع لنا، ثم قال: اللهم! إنا كنا نستسقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توفي رسول الله ونحن نستسقي بـ العباس عم رسول الله) ، فلكونه رضي الله تعالى عنه عم رسول الله اختاره عمر، مع وجود عمر بذاته ووجود عثمان وغيرهما من الصحابة الكرام الأجلاء رضوان الله عليهم، فلم يختر عمر أحداً، بل ولم يتقدم هو بنفسه مع أنه هو الخليفة، ولكن قال:(نستسقي بـ العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، فعرف للعباس مكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمه ليستسقي لهم وقال:(قم يا عباس فادع ونحن نؤمن) .
وتجدون في بعض الآثار:(إن الأئمة وفداؤكم إلى الله سبحانه وتعالى، فانظروا من توفدون إلى الله) ، فالإمام الذي يؤم الجماعة هو وافد القوم إلى الله؛ لأنهم قدموه بين أيديهم إلى الله ليسأله، وليؤمهم ويدعو ويشركهم في الدعاء، وهكذا قال صلى الله عليه وسلم:(أحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله) ، وهنا عمر رضي الله تعالى عنه قدم العباس؛ لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونحن الآن إذا كنا في أمر فيه المفاضلة بين الناس كالإمامة، والقضاء والتعليم ونحو ذلك، ووجد من آل البيت من يساوي غيره، فقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجحه على غيره ما دام مساوياً له.