قال رحمه الله: [وعن حمنة بنت جحش قالت: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه، فقال: إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي) .
حمنة بنت جحش ثالث ثلاث من بنات جحش كن يستحضن، ويقول بعض أطباء أمراض النساء: إن الحيض والاستحاضة لهما تعلق كبير بالوراثة، في مدتها وغزارة دمها، فقالت حمنة: كنت أستحاض حيضة كثيرة، وقالت: إنما أثج ثجاً، فقال:(افعلي كذا وصلي ولو قطر الدم على الحصير) ، كما في رواية، فهي كانت تستحاض استحاضة كبيرة شديدة فجاءت تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها:(إنما هي ركضة من الشيطان) ، أي: هذه الحيضة الطويلة الكثيرة الزائدة إنما هي ركضة من الشيطان، والفقهاء يقولون: هي ركضة على الحقيقة، فالشيطان ركضها في رحمها حتى فجر العروق، فخرج الدم من الرحم؛ كي يشكل عليها أمر طهارتها، ويختل عليها أمر صلاتها، فهو يريد أن يفسد عليها أمر دينها، وهل هذا حقيقة أو مجاز؟ نحن نقول كما قال صلى الله عليه وسلم:(إنما هي ركضة من الشيطان) ، والأطباء يعبرون عنها بالنزيف الرحمي، والنزيف الرحمي عندهم له أسباب عديدة، ولا يعرفون كلمة: ركضة شيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن زيادة الدم عن الحيضة الطبيعية التي يعرفها سائر النساء؛ ليست بسبب مرض، ولا حرج على المرأة فيها؛ لأنها لا تملكها ولا تستطيع دفعها، إنما هي ركضة من الشيطان.
وقال عليه الصلاة والسلام:(فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام) ، وقد أشرنا إلى أن أكثر الحيض عند الأطباء ثمانية أيام، والرسول صلى الله عليه وسلم قصرها على ستة أو سبعة، وقد يختلف حيض النساء من يوم إلى يومين إلى ثلاثة إلى أربعة إلى سبعة، ولكن هذا متوسط حالات النساء، وقد يكون الحيض عشرة أيام؛ ويكون حيضاً طبيعياً، ويهمنا هنا التعليم النبوي لـ حمنة رضي الله تعالى عنها لما اختلط عليها الدم وتواصل، ولم تعلم مدة حيضها من حيضتها، ولا يوجد لون أسود يفرق بين الحيضة والاستحاضة، فلو كان عندها علامة تفرق بها بين الحيضة والاستحاضة مثل اللون لردها إلى صفة الدم كما رد من قبلها، ولكن قال:(تحيضي) أي: في علم الله، فامكثي حائضاً، واعتبري حيضتك من كل شهر ستة أو سبعة أيام، وهذا متوسط عادة غالب النساء، وهناك من تحيض يوماً واحداً، وهناك من تحيض يومين فقط، وتنتظم حيضتها على ذلك، وهناك من لا تزيد على ثلاثة أيام، وهناك من تصل إلى عشرة أيام، لكن متوسط الحيضة عند غالب النساء ستة أو سبعة أيام.
فالمستحاضة لها حالتان: حالة يكون الدم المتواصل عندها يتميز بعضه عن بعض باللون والرائحة، فما تميز بلون ورائحة فهو حيضة، وما لم يتميز بشيء من ذلك فهو استحاضة، وهذه حمنة دمها ليس فيه تمييز، فكله على لون واحد، كله أسود أو أحمر أو بين بين، ودم الحيض أسود يميل إلى اللون البني، ودم الاستحاضة لونه بعيد عن هذه الألوان، فإذا لم تميز المستحاضة أيام حيضها، ولم يوجد في الدم الخارج منها ما يميز بعضه عن بعض فماذا تفعل؟! تتحيض على غالب حيض النساء، ومتى تجلسها؟ تتخير، فتعتبر أول الشهر مثلاً حيضها، فتجلس ستة أيام أو سبعة أيام وتعتبرها حيضة، فتغتسل وتأخذ حكم الطاهرة، وهكذا أول كل شهر تجلس من واحد في الشهر إلى ستة أو سبعة، وهكذا تعتبر الشهر دورة كاملة، وتتحيض فيه ستة أو سبعة أيام من أول الشهر إلى سابع يوم، وتكون هذه حيضتها المعتبرة، وتمتنع فيها عن الصلاة وعن الصيام وعن الوطء، ثم بعد نهاية الأيام المذكورة تعتبر نفسها قد طهرت فتغتسل، ثم بعد ذلك تتوضأ لكل صلاة، وهل تغتسل وتجمع بين الصلاتين؟ قال عليه الصلاة والسلام:(فتحيضي ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي، فإذا استنقأتي فصلي أربعاً وعشرين أو ثلاثة وعشرين وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك) .
قوله:(فإذا استنقأتي) يعني: اعتبرتي نفسك قد استنقأتي من دم الحيضة بعدد الأيام، أما النقاء حقيقة فليس بحاصل؛ لأن الدم موجود، لكن المعنى: اعتبرتي نفسك قد استنقأت من الحيضة بعدد الأيام التي اعتبرتيها حيضاً، وقد تعتبر الأيام من نصف الشهر، وقد تعتبر الأيام من أوله أو آخره، فإذا حددت لنفسها وقتاً من الشهر تعتبره حيضاً؛ فإذا انقضت تلك الأيام فتغتسل، ويكون حكمها حكم الطاهرة، فتصلي أربعة وعشرين يوماً، وهذا الحديث لم ينظر إلى أن الدورة الشهرية عند المرأة -كما يقول الأطباء- ثمانية وعشرين يوماً، ولكن نظر إلى الشهر بهلاله، فإذا تحيضت ستة أيام فقد بقي من الثلاثين أربعة وعشرون يوماً، وإذا تحيضت سبعة أيام فقد بقي ثلاثة وعشرون يوماً، فتصلي بقية الشهر بعد الستة أو السبعة الأيام التي اعتبرتها حيضة.
وقوله عليه الصلاة والسلام:(وصومي وصلي فإن ذلك يجزئك) .
أي: بعد الستة أو السبعة أيام؛ اغتسلي للحيضة، واعتبري نفسك كالطاهر، وصومي بقية الشهر وصلي كذلك، ولزوجها أن يأتيها، ولكن الأولى الابتعاد عن وطئها من ناحية صحية، وليس من الناحية الشرعية.
ثم قال عليه الصلاة والسلام:(وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء) .
أي: وكذلك فافعلي كل شهر: تتحيضين ستة أو سبعة أيام، وتعتبرين نفسك بقية الشهر طاهرة، فتغتسلين عند نهاية أيام الحيض، ثم تصومين وتصلين إلى نهاية الشهر، وهكذا دواليك كل شهر.