قال رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمرٍ كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيبٍ كيلاً، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله) متفق عليه] .
(نهى صلى الله عليه وسلم عن المزابنة) ، والمزابنة من الزبن، وهو الدفع، ومنه الزبانية عافانا الله وإياكم، ثم فسرها ابن عمر وقال: والمزابنة -أي: في العرف الشرعي- أن تبيع ثمرة النخل على نخلها بخرصها تمراً، فمائة نخلة فيها رطب، لو أنها تركت كم يجيء منها من التمر، يجيء منها خمسة أوسق، فيقول: أكيل لك الآن خمسة أوسق، وخل بيني وبين الثمرة.
وهكذا الكرم، وإن كان هناك من يكره تسمية العنب كرماً، فهذا العنب لو ترك حتى صار زبيباً، كم يأتي منه من قنطار؟ قال: يأتي عشرة قناطير، فيقول: أقدمها إليك الآن عشرة قناطير زبيباً، وخل بيني وبين شجر العنب، ثم أبيعه عنباً، أو أعصره، أو أتركه حتى يصير زبيباً، أنا حر فيه.
وهكذا حقل للقمح أو للشعير، يقول: كم يحصل منه لو تركناه حتى يجف الحب ويشتد، ثم يحصد ويداس ويصفى؟ قال: يحصل منه خمسون إردباً، قال: أدفع لك الآن هذا القدر، وخل بيني وبينه، وأنا سأحصده يوم الحصاد.
وسواء حصلت في ثمر النخل مقدار ما دفعت لك كيلاً أو أقل أو أزيد، فالزائد لي والناقص علي، وكذلك في العنب، سواء حصل من الزبيب بقدر ما أعطيتك زبيباً أو أقل أو أكثر، وكذلك الحب.
وكل يزبن الغبن عن نفسه، فصاحب النخل يحسب أنه حصل على كيل معلوم أحسن من الذي على الشجر، وصاحب التمر الذي كاله يظن أنه سيحصل مما على الشجر أحسن مما دفعه، ويزبن النقص عن نفسه، وهكذا كل ثمرة بجنسها، أما إذا كان بغير الجنس، مثلاً: اشتريت ثمرة البستان بالذهب والفضة، أو اشتريتها بالقمح، أو بالأرز فلا مانع؛ لأن الأرز بالتمر يجوز فيه الزيادة، ولكن بقي عندنا التسليم، ولا ربا نسيئة إذا اختلفت الأجناس والعلة، إذا كان بالنقد تساوي هذه الثمرة خمسة آلاف أو ستة آلاف، فيقول: تفضل هذا النقد، وأخذ الثمرة التي على رءوس النخيل، وعالجها، وهو ما يرزقه الله، وكذلك العنب، وكذلك الحب.
إذاً: المزابنة بيع الثمرة قبل نضجها بخرصها يابساً من جنسها، الرطب على النخل بالتمر، والعنب بالزبيب، والحب في الحقول بالكيل من طعام من جنسه، والله تعالى أعلم.