في الحديث أن هذا الميت قد مات وهو متلبس بهذه العبادة، فإذا بعث يوم القيامة بُعث ملبياً، وفي ذلك إشعار بأنه إظهار لعمله يكون ذلك كرامةً له، وامتداداً لعمله في الدنيا، ويكون في ذلك إمتاعاً له بأنه يلبي كما كان يلبي في الدنيا.
وقد يقول قائل: التلبية عبادة، والعبادة تكليف، والآخرة ليست فيها عبادة ولا تكليف، فكيف يلبي؟ ويجاب عن ذلك: أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى أهل الجنة في الجنة ما تشتهيه الأنفس، فلو أن إنساناً في الجنة اشتهى أن يصلي ركعتين فإن الله يعطيه الصلاة؛ لأنه من توابع إرضائه وإكرامه لعبده، ولو أن إنساناً تمنى أو اشتهى أن يقرأ القرآن فإن الله يعطيه أيضاً قراءة القرآن، وقد يؤيد ذلك ما جاء في الحديث:(يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق)(اقرأ)(ارق) هذا تكليف، لكن الغرض منه ليس القراءة، ولكن إلى حيث ينتهي في قراءته ينتهي رقيه في درجاته في الجنة.
إذاً قد تكون هناك قراءة قرآن أو صلاة في الجنة، لا على التكليف بالثواب والعقاب في الامتناع، ولكن تتمةً أو إرضاءً أو إكراماً أو تحقيقاً لما تشتهيه الأنفس، حتى قال بعض العلماء: لو اشتهى الفلاحون أن يزرعوا لمكَّنهم الله من أن يزرعوا ويحصدوا.
إلى غير ذلك من الأقوال.
إذاً المحرم يبعث يوم القيامة ملبياً إكراماً له وإتماماً لعمله وقد يكون إرضاءً له فيما تشتهيه نفسه أن يكمل نسكه، وإن كانت بقية المناسك قد انتهت، وليس هناك مكانٌ لها.