[اصطلاحات ابن حجر في بلوغ المرام]
وقد جعل له اصطلاحاً خاصاً من باب الاختصار، فبدلاً من أن يقول: رواه البخاري ومسلم، يقول: متفق عليه، وبدلاً من أن يقول: رواه البخاري ومسلم وأحمد يقول: رواه الثلاثة رواه الأربعة رواه الخمسة رواه الستة رواه السبعة ويكتفي بالعدد، وقد بين لنا معنى هذا كله وما هي هذه الأعداد التي يقصدها.
فبين هذا المنهج كله في المقدمة ليسهل عليك، ويختصر لك الكلام في تسمية العلماء وأصحاب السنن عند كل حديث، وإذا ذكر زيادة عن كتب السنن فإنه يذكر عمن أخذها، فمثلاً: البيهقي لم يكن كتابه من كتب السنن التي اعتمد عليها، فإذا ذكر حديثاً عن البيهقي قال: رواه البيهقي، وسماه باسمهِ، وكذلك غيره من علماء الحديث، وسنمضي معه رحمه الله لنرى من هم العلماء وأصحاب السنن الذين اختصر هذا الكتاب وحرره عنهم تحريراً بليغاً.
قال رحمه الله: [وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة] .
بين لك -أيها الطالب- عقب كل حديث من أخرجه، حتى تقف على درجة الحديث من قوة الصحة أو ضعفها، وحتى يخفف عليك المئونة أن تذهب وتبحث عن هذا الحديث، ومن الذي أخرجه؟ وعن سنده ورجاله، فقد بين لك عند آخر كل حديث من الذي خرجه، وقد يشير إلى تحسين أو تضعيف.
قال رحمه الله: [فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة] .
هذا مما لا بد منه لمن يقرأ هذا الكتاب أن يحفظ هؤلاء السبعة، فالمراد بالسبعة أحمد، وهو أحمد بن حنبل في مسنده، والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
وهنا بدأ بمسند أحمد، وهناك مسانيد أخرى كمسند أبي داود الطيالسي وأبي عوانة، وسنن الدارمي، وابن خزيمة، وموطأ مالك، فلماذا اقتصر في المسانيد على أحمد ولم يذكر هؤلاء؟ المسند: هو أن يأتي العالم ويجمع كل ما وقف عليه من مرويات الصحابي تحت باب واحد، فيجمع مثلاً ما روي عن أبي هريرة تحت عنوان: مسند أبي هريرة، فمرة نجده يروي عن أبي هريرة في الطهارة، ويليه مباشرة حديث في الجهاد، وآخر في الصيام، فليس هناك ترتيب لمرويات الصحابي حسب أبواب الفقه، ومهمة (المسنِد) بالكسر، أن يسند وأن يجمع ما أسنده هذا الصحابي إلى رسول الله، فلم تصنف المسانيد حسب الأبواب والمسائل الفقهية، فقالوا: أصحاب المسانيد كانت غايتهم جمع الأحاديث حتى لا تضيع، ومن هنا فعنايتهم بالصحة والتدقيق في سند الحديث ليست كعناية أصحاب السنن، إلا أن مسند أحمد تميز عن بقية المسانيد بأنه لا يمكن أن يثبت فيه حديثاً اتفق الناس على تركه، ولهذا فإنه يؤخذ عنه، أما بقية الكتب الأخرى من السنن فيقولون: عندهم تساهل في الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف، وليس هناك التحري والدقة التي نجدها عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي، فهؤلاء تحروا الصحة والدقة أكثر من غيرهم من أصحاب السنن.
وأين موطأ مالك الذي يقول فيه الشافعي وينقلها عنه الذهبي: (موطأ مالك أصح كتاب على وجه الأرض بعد كتاب الله) ؟ قالوا: لم يذكره ابن حجر ولا أهل السنن لأن مالكاً في طبقة من نقل الحديث ورواه عن التابعين عن الصحابة، وليس ممن جمعوا مع أنه جمع الحديث.
وبعضهم يقول: الموطأ لم يختص بالأحاديث المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل فيه مسند لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه موقوف على الصحابة، وفيه مقطوع عن التابعي، وفيه آراء العلماء، وفيه آراء مالك بنفسه.
فقالوا: هذا كتاب على نمط مستقل خاص بالإمام مالك، وليس معنى ذلك أنه أضعف؛ من الكتب السابقة بل إنه أعلى مرتبة من كل من سماهم؛ لأن مالكاً من الذين روى عنهم البخاري، أي أنه يروي الحديث بسنده حتى يصل إلى مالك، فيكون مالك من رجال الحديث عند البخاري.
وقد اختار المؤلف مسند أحمد على غيره من المسانيد لأن أصحاب المسانيد كانت مهمتهم جمع الحديث، وبعد أن جمعت المسانيد كان أحمد متقدماً على البخاري ومسلم؛ لأن البخاري ومسلماً رحمهما الله لما رأوا أن عمل أصحاب المسانيد الجمع، والجمع قد يأتي فيه خلل، نهضوا إلى جمع ما صح من الأحاديث على شرطهما، فـ البخاري يشترط اللقيا، أي: أن يكون كل راوٍ قد لقي من روى عنه حتى لا تكون واسطة مجهولة، ومسلم نزل قليلاً وقال: إذا روى إنسان عمن يعاصره اكتفيت بذلك، والآخرون نزلوا أيضاً قليلاً، ولهذا يقول العلماء: أصح الروايات ما اتفق عليه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم تنزل الدرجة إلى أبي داود، ثم يليه الترمذي، ثم يليه النسائي، ثم يليه ابن ماجة.
وهكذا.