يبين لنا جابر في هذا الحديث متى ترمى الجمرات، وذكر بأن جمرة العقبة رماها صلى الله عليه وسلم ضحىً؛ لأنه حينما أفاض من المزدلفة قبل طلوع الشمس، والمسافة من المزدلفة إلى منى حوالي ستة أو سبعة كيلو مترات، فلما جاء من المزدلفة على الراحلة، كان في الطريق زحام بين الرواحل فكان ينادي:(السكينة السكينة ... ) ولما وصل إلى منى أخذ في طريقه إلى العقبة، ومعلوم أن أول عمل للحاج في منى هو رمي جمرة العقبة، وكما يقولون: تحية منى يوم العيد هي رمي جمرة العقبة، فوصلها ضحىً فرماها، إذاً: رمي جمرة العقبة ضحىً، والضحى هو: قبل الزوال، وأما بقية الجمرات في أيام التشريق: الأول والثاني والثالث فترمى بعد الزوال، ووقت جمرة العقبة فيه خلاف كما تقدم، فمنهم من يقول: يبدأ بعد منتصف الليل، ومنهم من يقول: يبدأ بعد طلوع الفجر، ومنهم من يقول: يبدأ بعد طلوع الشمس على الخلاف المذكور في وقت الإفاضة من مزدلفة لأهل الأعذار وغيرهم.
لكن متى ينتهي وقت الرمي؟ الجواب: لا حد لانتهائه، والوقت الأفضل الذي رمى فيه رسول الله هو الضحى، فلو أن إنساناً تأخر في عرفات وفي مزدلفة، ولم يصل إلى منى إلا بعد العصر، فأول ما يصل إلى منى عليه أن يرمي جمرة العقبة، ولا نقول: إن وقت الرمي هو في الضحى، وإنما وقت الضحى هو الأفضل، فإذا تأخر إلى الزوال أو إلى العصر، أو إلى ما بعد العصر فلا مانع من أن يرمي، وإنما الخلاف في جواز رمي الجمرات ليلاً، فلو تأخر إنسان ووصل إلى منى ليلاً فهل يرمي الجمرات أو لا يرميها؟ الجواب: الأئمة الثلاثة يقولون: يجوز أن يرمي في الليل عن اليوم الماضي.
والإمام أحمد يقول: إن غربت الشمس فلا رمي، وعليه أن يؤخرها إلى غد؛ لأن الأيام الثلاثة كلها أيام رمي، والرمي فيها أداء لا قضاء، ولا فدية على من تأخر في رمي يوم إلى اليوم الثاني، ولكن عليه الترتيب، كما جاء في حديث الرعاة الذين رخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهبوا ليرعوا الإبل، ثم بين أن عليهم أن يأتوا ليرموا عن اليوم الثاني أولاً، ثم عن اليوم الثالث.
وعلى هذا فالسنة في رمي جمرة العقبة أنه يبدأ من الضحى، ويبدأ قبل ذلك لأهل الأعذار، وأما بقية الجمرات الثلاث في غير يوم العيد فإن جمرة العقبة قد خرجت عن كونها عقبة، وصارت من الجمرات الثلاث في أيام التشريق الثلاثة، ووقتها هو وقت بقية الجمرات حيث يبدأ من الزوال، ولا نقول: قد رميناها بالأمس ضحىً ولابد أن نرميها اليوم ضحىً؛ لأنه إذا خرج يوم العيد لم يعد هناك وقت للرمي إلا من الزوال، إلا قول يذكر عن عطاء وعن غيره في جواز الرمي قبل الزوال، وهذا يذكره بعض العلماء من باب التخفيف، ولكن يقولون: إنما رمى صلى الله عليه وسلم من بعد الزوال.
ويستمر الرمي من بعد الزوال إلى قبيل غروب الشمس وهذا باتفاق، فإذا دخل الليل ولم يكن قد رمى فيرمي في تلك الليلة عن اليوم الماضي، والإجماع على أنه لا يرمي ليلاً عن اليوم الآتي، ولكن يرمي ليلاً عما سبق أن فاته في نهار تلك الليلة، إلا ما جاء عن أحمد رحمه الله فإنه قال: إذا دخل الليل فلا رمي في الليل.
والجمهور يقولون: الليل يستدرك فيه ما فات في النهار، وعلى هذا يبدأ الرمي في أيام التشريق الثلاثة بعد الزوال، الأولى فالوسطى فالكبرى، والآن نقول: الكبرى، ولا نقول: العقبة؛ لأن العقبة تكون في يوم العيد.