قال المصنف رحمه الله: [وقال مالك في الموطأ: عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن جده:(إنه عمل في مالٍ لـ عثمان على أن الربح بينهما) ، وهو موقوف صحيح] .
هذا الأثر موقوف صحيح على عثمان، وهو خبر واضح، وأوضح من هذا ما يذكره العلماء عن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم.
أنهما كانا في الشام وكان أبو موسى الأشعري عامل هناك، وكانا في الثغر، فرغبا العودة إلى المدينة، فمرا بـ أبي موسى؛ ففي رواية أنه قال لهما: عندي مال أريد أن أبعثه إلى أمير المؤمنين عمر -أي: لبيت المال- أعطيكم إياه تشترون به تجارة وتبيعونها بالمدينة فتربحون وتسلموا رأس المال لـ عمر: ففعلا، فربحا وجاءا إلى عمر ودفعا إليه المال بالقدر الذي أخذوه من أبي موسى، فقال لهما: ما خبر هذا المال؟ فأخبراه بالخبر، فقال: ما الذي حمل أبو موسى على ذلك، وهل كل الجند أعطاهم مثل ما أعطاكما؟ قالا: لا.
قال: إذاً: قال في نفسه أنكما ابنا أمير المؤمنين وصانعكما، ردا المال بربحه، فسكت عبد الله وكان حيياً، وقال عبيد الله: ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين، قال: ولم؟ قال: أرأيت لو هلك المال كنت ضمنتنا إياه أم لا؟ قال: بلى، قال: ما دمت كنت تضمننا إياه فالغرم بالغنم.
أي: ما دمنا سوف نضمنه لك عند التلف فلنا حق الربح كاملاً.
فقال أحد جلساء عمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين! اجعله بينك وبينهما قراضاً، يعني: مضاربة، ففعل وأخذ نصف الربح ورد عليهم نصف الربح.
فهذا إقرار من أمير المؤمنين عمر على المضاربة في المال، والمال مع من؟ مع أفراد لبيت مال المسلمين -يعني: مع الدولة- فلو أن بيت مال المسلمين أو جانب وزارة المالية أقرضت مؤسسة أو جماعة مبلغاً من المال يعملون فيه ولهم جزء من الربح فلا مانع في ذلك.
وكما أشرنا: إن مباحث شركة المضاربة فيها نواحٍ وجزئيات عديدة، ولعل هذا القدر يكفينا فيما أوردناه وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقول: إن فقه المعاملات يحتاج -في نظري- كل عشر سنوات إلى ندوة علمية، لينظر في تطوراته وحاجة الناس إلى ما استجد من أنواع التعامل، فمعاملات كثيرة عديدة موجودة في الأسواق لا تأخذ طريقها السليم ولا ينبه عليها أحد، وبالله التوفيق.