[الوقت الذي يخرج فيه الحاج من مكة إلى منى وبيان الأعمال التي يعملها في منى]
خرج صلى الله عليه وسلم إلى منى يوم الثامن ضحىً، وهناك صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبات في منى ثم صلى الصبح، وكانت صلاته صلوات الله وسلامه عليه أنه كان يقصر الرباعية دون أن يجمع، فلم يجمع بين صلاتي الظهر والعصر ولا المغرب والعشاء في منى عند ذهابه، بل كان يقصر الرباعية فقط، ويصلي كل صلاة في وقتها، ولما صلى الصبح انتظر حتى أشرقت الشمس، وكما قيل: كانت على قمم الجبال كالعمائم على الرءوس، وبعد أن أشرقت الشمس ذهب إلى عرفات.
قوله: [ (فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس) ] .
قوله:(وركب صلى الله عليه وسلم) هناك من يقول: الذهاب إلى المناسك راكباً أفضل؛ لأن الرسول حج راكباً، وهناك من يقول: الرسول إنما جاء مسافراً من المدينة، ومعه راحلته، فهو لن يسوقها ويمشي على قدميه، وعلى هذا فالمشي أفضل؛ لأن فيه زيادة تكلفة، ولكن نقول: إن الله سبحانه وتعالى غني عن أن يكلف الإنسان نفسه في شيء في غير محله، والرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً يسوق بدنة ويمشي، قال له:(اركبها، قال: إنها بدنة، قال: اركبها -أي: ولو كانت بدنة مساقة إلى البيت- إن الله غني عن أن يعذب أحدكم نفسه) والذين يقولون: إن المشي أفضل قالوا: يكون المشي من المسجد الحرام إلى عرفات ثم العودة، أو من المسجد الحرام إلى عرفات إلى منى أو إلى مكة إن كان سيطوف الطواف النهائي، واستدلوا على أفضلية المشي برواية جاءت عن ابن عباس:(من حج ماشياً كتبت له بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم) والحسنة من حسنات الحرم بمائة ألف حسنة، فهناك من رغب في الحج ماشياً، وهناك من رغب في الحج راكباً، فالذين قالوا: يحج راكباً قالوا: تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه ركب، والذين قالوا: المشي أفضل قالوا: لأن في كل خطوة حسنة من حسنات الحرم.
ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم حج ماشياً لشق ذلك على الناس، ولكان كل واحد يريد أن يقتفي أثر رسول الله في ذلك، ولذا جاء في شأن زمزم أنه قال:(اسقوني، لولا أن يغلبكم الناس على زمزم لمتحت معكم) أي: لسحبت الحبل وأخرجت الدلو وشربت بنفسي، ولو فعل ذلك لكان كل إنسان يريد أن يمتح لنفسه ويشرب بنفسه، وكذلك عمر رضي الله تعالى عنه لما ذهب لاستلام مفاتيح بيت المقدس دخل كنيسة، فلما حضرت الصلاة خرج منها فقال بعض النصارى: صل فيها، قال: لو صليت فيها لأخذها العرب منكم، يقولون: نصلي كما صلى عمر، فيحتلونها ويأخذونها منكم، إذاً: ما منع عمر الصلاة في الكنيسة، ولكن خشي أن يغلبهم الناس على حق من حقوقهم.