وقوله:(وأعوذ بك من فتنة الدنيا) ، كان يستعيذ صلى الله عليه وسلم من فتنة الدنيا، والفتنة الأصل فيها الوضع في النار، يقولون: فتنت الذهب، أي: أدخلته النار ليتميز الصافي والخالص مما علق فيه من معادن أخرى أو تراب أو غير ذلك، فالفتنة انتقل استعمالها إلى الشدة التي تظهر حقيقة الإنسان، وفتنة الدنيا يذكرون لها مجالات عديدة: إما في المال أو الأولاد أو التقاصر في العمل كل ما يمكن أن يشغل الإنسان عن واجبه فهو فتنة، فقد يكون الإنسان في مال، وولد، ومنصب، وعافية، وكل هذا امتحان وفتنة.
هل يكون في تلك الحالات محافظاً على الواجب مؤدياً لحق الله؟ أو هل ما بيده يزيده شراً ويتعدى به حده فيطغيه؟ بعضهم بالعافية يطغى على الضعيف فيؤذيه، أو بالمال يطغى ويتطاول على الفقراء، وبالجاه يتطاول ويزدري الآخرين، وهكذا.
وتقدم لنا في تفسير قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ}[البقرة:١٥٥] ، أن هذا ابتلاء، وقد يكون الابتلاء أيضاً بالغنى، ليس بالنقص وإنما بالزيادة، والابتلاء بالزيادة أشده، سمعنا شيخنا الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول فيه: علماؤنا يقولون: الفتنة بالغنى وبالصحة أشد ابتلاءً على الإنسان من الفتنة بالفقر والمرض لأن الفقير والمريض، لا يدري ما يفعل، لكن الفتنة بالصحة وبالمال شديدة، وذاك الذي يقول: إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أي مفسدة لم يقل: الهرم ولا الفقر، لا، إن الشباب والفراغ والجِدة بمعنى المال، شباب ومعه مال ومتفرغ، وليس معه شيء يضيع وقته فيه، ولا يصرف قوة شبابه فيه، معناها: أنه يعود على الناس بالبطش وبالإيذاء، والله سبحانه وتعالى بيّن {إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[العلق:٦-٧] .
إذاً: كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من فتنة الدنيا سواء بعرض من أعراضها أو بأي حالة من حالاتها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا وإياكم فتنة الدنيا.