قال المصنف رحمه الله: [وعن علي رضي الله عنه قال: (كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فخرجت فيها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي) ، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم] .
الحلة: هي إزار ورداء من جنس واحد، فهي قطعتان، أما الجبة فهي قطعة واحدة، وهي مثل العباءة، لكنها طويلة حسب عادة الناس في اللباس، وهي ثياب تلبس فوق اللباس العادي.
يقول علي رضي الله تعالى عنه: كساني النبي صلى الله عليه وسلم يعني: أعطاني كسوة، والكسوة: اللباس.
وتكون كسوة إذا كانت مكتملة.
قوله:(سيراء) هي نوع من الحرير الرقيق، وليست حريراً خالصاً، قال: فخرجت بالحلة فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والوجه يعبر ولو لم يتكلم، فالبشاشة والهش والبش والتكشير كلها صور معبرة، فـ علي رضي الله تعالى عنه عرف من وجه رسول الله الغضب، كأنه يقول: لماذا لبستها؟! ففهم علي ذلك بدون أن يتكلم، قال:(فشققتها بين نسائي) ، وفي بعض الروايات قال:(فقسمتها بين الفواطم) ، وليس هنالك اختلاف؛ لأن الفواطم جمع فاطمة، وهن نساء علي، فمنهن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي زوجته، ومنهن فاطمة بنت أسد، وهي أمه، ومنهن فاطمة بنت فلان، وهي قريبة له، فكلهن من بيت علي رضي الله تعالى عنه، فقوله:(كسوتها نسائي) و (كسوتها الفواطم) معناهما واحد.
ونأخذ من هذا الحديث أن تغيير المنكر قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وقد يكون بالنظرة، ولذا يقول العلماء في باب التعزيرات: إذا ارتكب إنسان أمراً محظوراً واقتضى الأمر تعزيره فيعزر الأشخاص بحسب ذواتهم، فشخص لا ينفع فيه التعزير إلا بالضرب والجلد، وشخص يكفي أن يقال له: يا فلان! والله ما كان يليق بمثلك أن يفعل هذا.
وشخص يعزر بأن تعرض عنه، فإذا أقبل عليك أعرضت عنه، وهذا أثقل عليه من السب ومن الضرب، ويكفي هذا في تعزيره.
فالشخص الأبي الكريم تكفيه النظرة، والشخص الأقل منه كرماً يحتاج إلى كلام وإلى إيقاف، والشخص فاقد الإحساس يعزر بالضرب، فهنا أدرك علي رضي الله تعالى عنه إنكار رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه لبس هذا النوع، وحالاً قطعها وقسمها بين نسائه.