بقي التساؤل عن الأكل والشرب للجنب، وقد وسع هذا البحث صاحب المنتقى، وفصل فيه الشوكاني تفصيلاً طيباً جداً، وهو موجز من فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وقد جاءت النصوص أيضاً في الأكل والشرب، فقالوا:(هل يأكل الجنب يا رسول الله؟! قال: نعم إن هو توضأ) ، فجمهور العلماء حمل الوضوء هنا على الغسل نظافة؛ لأنه لم يأت تأكيده بالمصدر كما جاء في النوم، وقالوا: إن الأكل يحتاج إلى نظافة في يديه، فقد يكون مس فرجه، وقال بعضهم: إن الوضوء هنا هو الوضوء الشرعي المعروف.
وروى عند البيهقي رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها أن أبا موسى -أو شخصاً آخر- سألها قال: يا أم المؤمنين! إني أستحي، -أي: إنه يجول بخاطري أمور وأستحي أن أواجهك بها- هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب؟ قالت: نعم، كان أحياناً يغتسل وينام، وأحياناً ينام ويغتسل.
قال: هل كان يغتسل في أول الليل أو في أوسطه أو في آخره؟ قالت: كان أحياناً يغتسل في أول الليل، وأحياناً يغتسل في أوسطه، وأحياناً في آخره، قال: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، وهل كان يأكل معك وأنت حائض؟ قالت: نعم، كنت آكل معه فآخذ العظم فأتعرقه ثم أناوله إياه فيتعرقه بفمه بعد فمي، وكنت آخذ القدح فأشرب ثم أناوله إياه فيضع فاه موضع فيَّ فيشرب، وكان في كل مرة يقول: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، ثم سألها هل كان يوتر عليه الصلاة والسلام قبل أن ينام؟ فقالت: أحياناً وأحياناً.
ففي هذا الحديث رد على اليهود، فقد جاء في الحديث:(قدمنا المدينة فإذا اليهود إذا حاضت المرأة لا يؤاكلونها ولا يشاربونها، فقال صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء غير الجماع) ، وعلى هذا فمن أراد العود بعد الإتيان، فيستحب له الوضوء قبل العود، وكذا الوضوء للأكل، وكل ذلك مندوب إليه وهو أولى، ولكن لم يقل بالوجوب إلا داود الظاهري ومن وافقه، وبالله تعالى التوفيق.
المؤلف ذكر أن كثيراً من أحكام الجنب، وهو ألا يقرأ القرآن، وكذا حمل المصحف، كما جاء في الحائض في رواية مالك أن ابن عمر قال لجارية:(ناوليني المصحف، قالت: إني حائض، قال: حيضتك ليست في يدك، ناوليني من العلاقة) وعلاقة الكيس هو الذي فيه المصحف، أما أن تباشره فلا.