[حديث أبي أيوب في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها]
قال المؤلف: [وللسبعة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: (ولا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا) ] .
أبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه يذكر هذا الحديث:(لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول ولا تستدبروها) ، فزاد النهي عن الاستدبار على حديث سلمان.
وأبو أيوب سافر إلى الشام، وجاء في آخر الحديث:(فقدمنا الشام، فوجدنا بيوت الخلاء قد بنيت إلى القبلة، فكنا ننصرف أو ننحرف -الرواية المشهورة: ننحرف- ونستغفر الله) ، أي: المقعدة موجهة إلى القبلة، وهو مضطر إليها، وحينما يجلس على تلك المقعدة ينحرف ويجعل اتجاهه شرقاً أو غرباً، وهذه يستطيع أن يتصرف فيها الإنسان وإن كان ليس على كمال الصورة من تجنب القبلة تماماً لكن ينحرف عن القبلة قدر استطاعته، وبعضهم يرويها:(ننصرف) أي: ننصرف عن تلك المحلات ولا نقضي الحاجة فيها لكونها متجهة إلى القبلة.
ولكن قوله:(ونستغفر الله) أنسب لـ (ننصرف) منها لـ (ننحرف) .
والجمهور يقولون: إنها أنسب لـ (ننحرف) لأن انحرافه ليس انصرافاً كاملاً، فهو يجلس والمقعدة متجهة إلى القبلة، وقدماه عليها إلى القبلة، لكنه ينحرف بصدره أو بجسمه عنها، فيستغفر الله لعدم تمام الاتجاه إلى الشرق أو الغرب، وفيه نوع اتجاه إلى القبلة، وإن كان أقل ممن لو كان مستقيماً إليها.
وبعضهم يقول: ونستغفر الله لمن بناها على تلك الحال، سواء ننصرف ونستغفر الله لأصحابها، أو ننحرف ونستغفر الله لأنفسنا لقضاء الحاجة على تلك الصورة التي ليست كاملة في الابتعاد عن الاستقبال أو الاستدبار.
والله تعالى أعلم.
وهنا مما يذكر أن بعض العلماء -ومنهم أبو أيوب رضي الله تعالى عنه- يمنع الاستقبال والاستدبار سواء في الفلاة أو في بيوت الخلاء، ولكن جاء عن جابر أنه قال:(نهينا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، ولكني رأيت رسول الله قبل وفاته بسنة يستقبل القبلة بالبول) فقالوا: هذا ناسخ لما قبله، والآراء والأقوال في ذلك متعددة، ولكن مجمل ذلك أن النهي منصب على الخلاء ما لم يكن هناك ساتر، وأن الأولى في بيوت الخلاء ألا تكون متوجهة إلى القبلة، فينبغي على الإخوة الذين ببنون بيوتهم أن يراعوا هذه الحال، ولا يجعلوا بيوت الخلاء -في الجلسة عليها- مستقبلة للقبلة أو مستدبرة لها، ولكن يجعلها متجهة إلى الشرق أو إلى الغرب، وهذا أسلم وأدعى لأن يكون بعيداً عن الخلاف الموجود، سواء قلنا بحديث جابر هذا أو بحديث سلمان أو بغيره، فيكون هذا أدعى لطمأنينة النفس.