بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: قال المؤلف رحمه الله: [وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك) رواه البخاري] .
يسوق المؤلف رحمه الله حديث المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه وفيه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك) وكون النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثم حلق هل هذا الفعل المخبر عنه والذي أمر به الصحابة كان في صلح الحديبية أو كان في حجة الوداع؟ فيه خلاف، وأكثر العلماء على أن ذلك كان في صلح الحديبية.
وقد تقدم التنبيه على أن ترتيب أعمال يوم العيد تكون كالآتي: الرمي فالنحر فالحلق فالإفاضة، وما سئل صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم عن شيء قدم أو أخر إلا وقال:(افعل ولا حرج) فإذا كان الأمر كذلك وأنه ما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) ، فلماذا يأتي المؤلف بعد ذلك بهذا الحديث الذي فيه:(أن الرسول صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك) ؟ فإن كونه فعل هذا الفعل المرتب وأمر أصحابه به يغاير قوله:(افعل ولا حرج) ؛ لأنه هناك قدم هذا وأخر ذاك، وأخر هذا وقدم ذاك فقال لكل من سأله:(افعل ولا حرج) ، وظاهر هذا وجوب الترتيب، وهنا: فعل وأمر فكيف يكون الجمع بين الحديثين؟ الجواب: يقول العلماء: إن هذا الترتيب وهو تقديم النحر على الحلق كان في صلح الحديبية، وهذا شأن المحصر عن الحج، وسيأتي للمؤلف:(باب الإحصار) ، والإحصار هو: المنع، وسواء كان الإحصار بعدو أو كان بمرض، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله، فيقول العلماء: إن قوله: (افعل ولا حرج) هذا في الحج، حينما يقع النسيان أو السهو أو الجهالة، أما في الإحصار فيتعين أن ينحر أولاً ثم يحلق ثانياً، وليس فيه:(افعل ولا حرج) .
إذاً: سوق المؤلف لهذا الحديث الذي فيه الترتيب في تقديم النحر وتأخير الحلق مغاير لما تقدم من قوله: (افعل ولا حرج) فقال العلماء: الجمع بين هذا وذاك: أن (افعل ولا حرج) مع العذر بالنسيان أو الجهالة هذا في الحج، وأما الترتيب فيكون في حالة الإحصار، والله تعالى أعلم.
وقد قدمنا قضية الدعاء للمحلقين عند قوله صلى الله عليه وسلم:(اللهم! ارحم المحلقين -ثلاثاً-) وبينا أن ذلك اختلف فيه أيضاً: هل كان ذلك الدعاء في صلح الحديبية أو كان في حجة الوداع؟ وبينا أنه في صلح الحديبية، وأن السبب في ذلك والمرجح لكونه في صلح الحديبية أنه أمرهم فتوانوا في العمل، فدخل خيمته وهو مغضب، فقالت له أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها:(لا عليك، خذ المدية واخرج ولا تكلمن أحداً، واعمد إلى هديك فانحره، ثم ادع الحلاق فاحلق) يعني: أنه نحر أولاً، ثم حلق ثانياً، ثم أمر أصحابه بذلك.
إذاً: هذا الحديث إنما يتعلق بحالة الإحصار، والإحصار سيأتي له باب مستقل.