[مناسبة ذكر حديث شد الرحال إلى المساجد الثلاثة في باب صفة الحج ودخول مكة]
قدم المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم من أول خروجه من المدينة إلى أن أنهى الحج، ونزل إلى المحصب، وقد ذكرنا أقوال العلماء فيما يتعلق بذلك، وهل كان من المناسك أو كان إرفاقاً بالمسلمين عند الخروج من مكة.
والباب هنا: باب صفة الحج ودخول مكة.
هذا الحديث الذي يسوقه في نهاية هذا الباب، وقبل أن يأتي بباب أحكام الإحصار بالحج، وماذا يعمل المحصر وماذا عليه؟ والإحصار هو صورة نادرة من صور الحج والعمرة، يأتي المؤلف بهذا الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:(صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) ونحن الآن في صفة الحج، وفي صفة دخول مكة، وهذا الحديث موضوعه المسجد النبوي، فما علاقة إيراد هذا الحديث في بيان فضل الصلاة في المسجد النبوي بأعمال الحج المتعلقة بمكة؟ قد يتساءل الكثير في هذا، ولابد للمؤلف من غرض وراء إتيانه بهذا الحديث الذي يتعلق بالمسجد النبوي في نهاية بيان صفة الحج ودخول مكة، فبعض الناس يقول: إن الإتيان بهذا الحديث هنا يتعلق بموضوع المقارنة بين مكة والمدينة -ولكن ليس في هذا إشارة إلى مكة- وأن فيه تفضيل مكة على المدينة؛ لأن صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف، وفي المسجد النبوي بألف، وبعضهم يذكر مع هذا الحديث حديث الروضة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) ويستدلون بهذا على أن المدينة أفضل من مكة؛ للحديث الآخر:(موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) ، والشوكاني رحمه الله في (نيل الأوطار على منتقى الأخبار) أتى بأحكام الزيارة للمدينة النبوية عقب مباحث الحج، وقال: لم يذكرها المؤلف هنا، ولكن هذا محلها؛ لأنه جرت عادة الناس أنهم إذا أتوا إلى الحج فإنهم يعرجون على المدينة للزيارة.
فذكر الشوكاني رحمه الله ما يتعلق بفضل الزيارة: من شد الرحل إلى المدينة وإلى المساجد الثلاثة، وفضل الصلاة في مسجد المدينة، وما يتعلق بالروضة وفضل الصلاة فيها إلى غير ذلك.
والأولى أن مظنة إيراد المؤلف هذا الحديث هنا هو كما أشار إليه الشوكاني، وهو أن الناس في الآونة الأخيرة يجمعون بين الحج والزيارة في رحلة واحدة، وهذا هو الذي نشاهده الآن، فقل من يأتي برحلة خاصة للمدينة، ثم يأتي برحلة خاصة للحج أو للعمرة، حتى الذين يأتون برحلة خاصة للمدينة يأتون بها مع العمرة، فيأتون للعمرة في رجب أو في ربيع الأول أو في رمضان ويعتمرون ثم يذهبون إلى المدينة، إذاً: لما كثر من الناس الجمع بين زيارة المدينة وبين الحج أو العمرة ساق المؤلف هذا الحديث هنا ليرغب في الإتيان إلى المسجد النبوي الشريف؛ لما فيه من هذا الفضل في الصلاة.
هذا ما ظهر بالنسبة لإيراد المؤلف لهذا الحديث الشريف هنا والله تعالى أعلم.