للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا زكاة في الخيل والبراذين ونحوها]

الأموال الزكوية قلنا: إن المتفق عليها من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، ومن المختلف فيه: الخيل وما تبعها، فيرجح الجمهور على أن الخيل لا زكاة فيها، وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله أن الخيل إذا أفردت للنماء والزيادة ففيها الزكاة، أما إذا كانت لغير ذلك، ولا يتأتى نماؤها، وكما يقول الأحناف: لو كانت كلها ذكوراً، فالذكور وحدها لا تنتج، ولو كانت كلها إناث فالإناث وحدها لا تنتج، فعنصر النماء مفقود فلا زكاة فيها.

ولو كان عنده خيل ذكور وإناث يؤجرها أو يستعملها في جر العربات أو في الحرث فهذه ليست للنماء فلا زكاة فيها.

وعلى رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله أن في الخيل زكاة، فما نصابها وما يؤخذ منها؟ لم يأت في أي كتاب من كتب الصدقة بيان أنصباء الخيل ولا بيان ما يؤخذ فيها، ومن هنا أخذ الجمهور أن الخيل خارجة عن حدود الزكاة، واستدلوا أيضاً بحديث: (ليس على المسلم في فرسه ولا في عبده صدقة) فقوله: (فرسه) وإن كان مفرداً، لكنه نكرة مضاف فيشمل الجنس، فأخذ الجمهور بأن الفرس أو الخيل لا زكاة فيه.

أبو حنيفة رحمه الله يقول: الزكاة مبناها على النماء، فإذا كانت ثلاثين فصارت خمسين، فهي نامية، فتشترك مع الإبل والغنم في عموم النماء، ففيها زكاة.

كم نصابها؟ قال: في كل فرس دينار.

نحن لا نعهد زكاة مال من غير جنسه إلا عروض التجارة وأوائل الإبل، في الخمس منها شاة، فأخذ غير جنسها في حد معين، ثم من خمس وعشرين انتقلت إلى جنسها، وكذلك عروض التجارة؛ لأن العروض هي عبارة عن دكان فيه سكر وشاي وصابون ونعناع أو حتى خضار، فماذا سنعطي المسكين من هذا؟ فيقدر الجميع، وتعطى الزكاة من مجموع القيمة؛ لأنها مصلحة للطرفين.

فإذا قلتم: الخيل فيها زكاة فبينوا نصابها منها، وما يؤخذ منها فيها.

وقال قوم: ليس فيها زكاة، واستدلوا بأن عمر رضي الله تعالى عنه أتاه قوم من أهل الشام، وقالوا: إنا أصبنا خيلاً نريد أن تأخذ زكاتها طهرة لها.

فقال: لم يأخذها صاحباي من قبلي -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه- فكيف آخذها؟ فاستشار من عنده، فقالوا: خذ منهم ما دام عن طيب نفس، فسأل علياً رضي الله تعالى عنه، فقال علي: لا بأس إلا أن تصبح فيما بعد ضريبة لازمة عليهم، أي: هم الآن جاءوا طواعية ودفعوا، فإذا ذهب هذا الجيل الذي يدفع طواعية، فسيأتي بعدهم أناس معهم خيل، فيقول من كان بعدك: عمر أخذ على الخيل فيأخذ عليهم، وتكون ضريبة لازمة بغير إلزام.

فـ علي قال: لا بأس إذا أخذت ما لم تصبح ضريبة لازمة عليهم.

فقال عمر: نأخذها منهم ونردها على عبيدهم، بمعنى انه أخذ زكاة الخيل وفرض لكل فرس ديناراً، وأعطى عبيدهم من بيت مال المسلمين، فالعبيد ليس لهم شيء؛ لأن بيت مال المسلمين للأحرار، ورزق بيت المال للأحرار، والعبيد تبع للأحرار، فـ عمر فرض لعبيد هؤلاء الناس من بيت المال كأنه عوض عما يأخذ منهم في الخيل.

والجمهور استدلوا بحديث صحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها في قاع قرقر، ثم يؤتى بها وافية فتطؤه بخفافها، وتعضه بأنيابها حتى يقضى بين الخلائق، فيرى مصيره إما إلى جنة، وإما إلى نار، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، وما من صاحب ذهب أو فضة لم يؤد زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وكوي بها جبينه وجنبه وظهره إلى أن يقضى بين الخلائق -فذكر صلى الله عليه وسلم هنا الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة- فقالوا: يا رسول الله! والخيل ما شأن صاحبها؟ قال: الخيل ثلاثة: هي لرجل أجر، وعلى رجل وزر، ولرجل ستر؛ أما التي هي له أجر: فخيل ارتبطها صاحبها في سبيل الله، وأما التي هي وزر فخيل اقتناها صاحبها بطراً ورياءً) .

وقيل: سمي الخيل خيلاً لأن بها خيلاء، فانظر إلى الفرس عندما تشبع فإنها تمشي على أطراف حوافرها وتتبختر، وأجود الحيوانات في الرقص والرياضيات واللعب الخيل، وهي أشدها طرباً، فصاحبها كذلك.

(والتي هي له ستر رجل اقتناها تغنياً) يعني: للنماء فيبيع ويستغني بنسلها وبيعها عن الناس.

فما ذكر فيها صدقة.

قال: (ولا ينسى حق الله فيها! قالوا: وما حق الله فيها؟ قال: ألا يمنع فحلها عن إناث غيره، ألا يمنع منقطعاً أن يركبه إلى مكانه) ، ولم يبين فيها صلى الله عليه وسلم نصاباً ولا ما يؤخذ منها، فقال الجمهور: هذا دليل على أن الخيل لا زكاة فيها.

(قالوا: والحمر يا رسول الله! قال: لم ينزل علي فيها شيء، إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧-٨] ) إذاً: رد ذلك إلى صاحبها، إن فعل فيها خيراً فله، وإن كان عكس ذلك فالعكس.

إذاً: الصديق رضي الله تعالى عنه ذكر أنصباء الإبل، وذكر أنصباء الغنم، وجاءت أنصباء البقر في غير هذا الكتاب، ولم يأت للخيل ولا للبرذون ولا للحمار ذكر في أنصاب الزكاة، وعلى هذا فجمهور العلماء على أن الزكاة في بهيمة الأنعام مقصورة على تلك الأصناف الثلاثة، وأن الأصناف الثلاثة الأخرى لا زكاة فيها: الخيل والبراذين والحمار.