[قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورتي الأعلى والغاشية في صلاة الجمعة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وله عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: (كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) ] .
يقول المصنف رحمه الله: وله، أي: لـ مسلم الذي روى ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم: (كان يقرأ في الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون) .
أنه كان يقرأ في الجمعة وفي العيدين (سبح اسم ربك الأعلى) ، و (هل أتاك حديث الغاشية) .
ولا حاجة إلى تتبع السورتين في بيان المناسبة، فقد ذكرنا فيما يتعلق بسورة الجمعة والمنافقون ما يكفي من بيان مناسبة اختيار هاتين السورتين في يوم الجمعة، وكذلك هاتان السورتان، أي: الأعلى والغاشية.
والجمعة والمنافقون متتاليتان في المصحف، وكذلك سبح والغاشية متتاليتان في المصحف، وكل من الثانية تكمل موضوع الأولى.
ويهمنا هنا زيادة [في الجمعة والعيدين] ، وربط الجمعة بالعيدين هو لأن يوم الجمعة عيد من أعياد المسلمين، والعيدان هما عيد الفطر وعيد الأضحى، وسمي العيد عيداً لعوده، أي: لمجيئه وعودته في كل سنة.
وهنا لفتة بسيطة فيما يتعلق بالعيد في الإسلام.
فقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم وللناس أعياد كثيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله أبدلكم بأعياد الجاهلية عيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى) ، وبالتأمل في هذين العيدين نجدهما يتميزان، أو أن العيد في الإسلام يتميز عن العيد في غير الإسلام بأمر عملي؛ لأن الأعياد في غير الإسلام إنما هي ذكريات لا حقائق، بمعنى أن أعياد غير المسلمين لأحداث قد وقعت ثم انتهت، فإذا جاء موعدها من السنة الثانية عيدوا ذكرى لما تقدم، فمثلاً صوم يوم عاشورا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صومه قالوا: هو يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، فصامه موسى شكراً لله، وصامه اليهود، ويعيدون صومه كيوم عيدٍ عندهم، وذكر الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل مع نبي الله عيسى قولهم: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً} [المائدة:١١٢] قال: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين.
قالوا: {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} [المائدة:١١٣] ، فالمسألة مسألة أكل وشرب، فقال عيسى فيما حكى الله تعالى عنه: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة:١١٤] .
فكانوا يجعلون يوم نزول المائدة عيداً، والمائدة نزلت مرة واحدة، وكانوا يعيدون في يومها من كل سنة، فالأعياد التي جاءت بعد يوم نزول المائدة ليس فيها مائدة، ولكن ذكرى المائدة، وكذلك الأعياد والطقوس والعادات عند الناس.
أما أعياد الإسلام فهي حقيقة، وليست ذكريات؛ لأن كل سنة يأتي فيها العيد بموجبه ومسبباته، فعيد الفطر سببه أنه لما أكرم الله المسلمين بأداء واجب صوم هذا الشهر المبارك، جعل لهم ختام صيامهم عيدا، فعيد الفطر في كل سنة ذكرى لحدث حاضر يتجدد في كل سنة بذاته، فكل عيد فطرٍ في الإسلام مستقل، وليس لذكرى ماضية، وكذلك عيد الأضحى، فلما منّ الله على المسلمين بالحج وجاءوا من كل فج عميق، وأمّن لهم السبيل، وأمّن لهم الطعام، وأدوا مناسكهم قال: هلم إلى المائدة.
ومائدة الإكرام ثلاثة أيام، فالموائد يطعمون منها ويأكلون ويطمعون القانع والمعتر أيام منى.
ومن هنا كان الصائم يوم العيد معرضاً عن ضيافة الله.
فالعيد في الإسلام حقيقة، والأعياد في غير الإسلام من باب الذكرى.
ومن هنا شرفت الأعياد في الإسلام بشرف أسبابها ومسبباتها، وسن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين أن يخرج جميع الناس حتى النساء والحيض وربات الخدور، فاللواتي لا يخرجن من بيوتهن يخرجن، والحيض يحضرن ويعتزلن المصلى، ويشهدن بركة ذلك الجمع بالدعاء بالخير تكثيراً للمسلمين.
ومن هنا كان التدرج في اجتماع المسلمين، فيجتمع أهل الحي في خمس صلوات خمس مرات للجماعة، ويجتمع أهل القرية كل أسبوع مرة للجمعة، ويجتمع أهل المصر والقطر وضواحي القرية والمدينة في عيدٍ في صعيد واحد في الخلاء، ويجتمع العالم الإسلامي ممثلاً في أفراده الذين يأتون رجالاً وعلى كل ضامر من كل فج عميق، في الحج الأكبر أو في يوم عرفة.
فدين الإسلام دين اجتماعي، ودين جمع الأمة وتوحيدها، فكان صلى الله عليه وسلم بمناسبة هذا الجمع في الجمعة يقرأ هاتين السورتين (سبح والغاشية) .