للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين عرفة وعرفات وسبب هذه التسمية]

(سئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة) ، يقال: عرفة وعرفات بالتاء يقول علماء اللغة: عرفة اسم للزمان ولليوم، وعرفات بالتاء: اسم للمكان، وهو موضع بمكة، كأذرعات موضع بالشام.

يوم عرفة -كما يقولون- في تاريخ المناسك: أنه سمي عرفة؛ لأن أبانا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما نزل من السماء إلى الأرض، واختلف هو وحواء، ساح في الأرض ما شاء الله ثم لقيها في ذلك المكان فتعارفا فسمي عرفة، هذا القول الأول، وأعتقد أن هذا بعيد، فما هو الذي فرق بينهما لما نزلا من الجنة وهما نزلا معاً؟! القول الثاني: في سبب تسميته بعرفة أن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما بنى البيت وأُمر أن يؤذن في الناس بالحج، قال: {رَبَّنَا وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا} [البقرة:١٢٨] ، فأرسل الله له جبريل وخرج معه إلى منى، وبيّن له مواقع الجمرات، وذهب معه إلى المشعر الحرام، وأخيراً ذهب معه إلى عرفات، وبيّن له الموقف، ثم قال له: (أعرفت المناسك؟ قال: عرفت) فسميت عرفات؛ لأنه استعرفه على ما عرّفه عليه من المناسك.

وهناك قول ثالث وهو: أنه سمي عرفات؛ لأن العالم الإسلامي يأتي من كل فج عميق فيتعارفون في ذلك المكان، ومهما يكن من سبب التسمية فقد أصبحت الآن كلمة عرفة مشهورة، وعرفات علم وتنوسي فيه الوصف، كما تقول: العباس والضحاك، فالعباس: قد يكون بشوش الوجه، فتنوسي وصف العبوسة فيه، وأصبح علماً، والضحاك: قد يكون عابس الوجه كئيباً، فتنوسي وصف الضحك فيه وأصبح علماً.

وهكذا في عرفة لا علاقة للتسمية بعمل النسك.

وصوم هذا اليوم يقول عنه صلى الله عليه وسلم: (يكفر سنتين: سنة قبله، وسنة بعده) ، سنة قبله أي: قبل السنة التي هو فيها؛ لأنه في آخر أشهرها، وهو شهر ذي الحجة، والسنة التي فاتت، قد يحمل الإنسان فيها بعض ما قدر عليه من الأخطاء والذنوب؛ لأنه ليس معصوماً، وصوم يوم عرفة يكفرها ولكن السنة التي بعده ماذا يكفر فيها وهو لم يرتكب فيها شيئاً بعد؛ لأنه ما عاصرها ولا عاشها، فكيف يُكفر شيء لم يوجد؟! استشكل العلماء هذا، وأجابوا عنه بأجوبة: منها: أن الله يسدد هذا الشخص لفعل الخير ويبعده عن ارتكاب الآثام، ومنعه من ارتكاب الآثام بمثابة تكفيرها.

ومنها: أنه إذا ارتكب شيئاً من الذنوب وفق للعودة إلى الله وسرعة التوبة، فيكون ذلك تكفيراً لها.

ومهما يكن من شيء فإن بعض العلماء يقولون: لا ينبغي أن تفسر أحاديث الوعد والوعيد، بل تترك على ما هي عليه بنصها ومدلولها العام، كي يكون وقعها في قلب المؤمن أكثر.

ونحن نقول: الحمد لله، قبلنا البشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم.