للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام قتل الوارث لمورثه]

قال المصنف رحمه الله: [وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس للقاتل من الميراث شيء) رواه النسائي والدارقطني، وقواه ابن عبد البر، وأعله النسائي، والصواب: وقفه على عمرو] .

يقولون في هذه القضية: إن القاتل يعامل بنقيض قصده؛ لأن غالب حالات قتل الوارث مورثه استعجالاً للميراث، ويلحق به قتل الموصي لمن أوصى إليه، كأن أوصى رجل لإنسان بعد موته ببيت، فطالت حياة الموصي، والموصى إليه ينتظر وفاته ليأخذ البيت، فلما استطال المدة قتله ليأخذ البيت، فمادام أن قصده بالقتل الحصول على الوصية فليحرم عليه أخذها.

ولا يرث من قتل من أجل الميراث لماذا؟ لأنه يعلم إذا قتل أنه لا يرث، فهو حريص على الميراث، إذاً سيحافظ عليه، ويبعد كل تهمة أو شبهة عنه في قتله حتى يصح له الميراث؛ لأنه حريص عليه، وكذلك الموصى إليه يبعد كل البعد عن قتل الموصي حتى تسلم له الوصية، فالمعاملة بنقيض القصد في القاتل وفي الموصي.

ولكن الفقهاء فصلوا في القتل، فقالوا: هو عمد، وخطأ، وشبه عمد، وشبه خطأ، فالعمد وشبهه يتفق الجمهور على أنه لا يرث؛ لأنه متعمد، إلا إذا كان متعمداً بحق بأن كان له عليه قصاص لابن عمه، بأن كان قد قتل أباه فجاء وهو العاصب فقتل قاتل أبيه والحال أنه عاصبه، فالأئمة الثلاثة يقولون: يرث؛ لأنه لم يقتل متعمداً من أجل ميراث، لكن قتله بحق ألا وهو القصاص.

والشافعي يقول: لا يرث، ولو كان قتله بحق.

الخطأ الشافعي يقول: إذا شارك في قتل الخطأ ولو بالشهادة عليه التي تثبت القصاص فلا ميراث له، ولو كان قاضياً وحكم بمقتضى البينة بقتله، وكان القاضي وارثاً لهذا فلا يرث منه مع أنه نفذ حكم الله بالقصاص! قال: لأنه شارك؛ فيحرم من الميراث سداً للباب بالكلية.

وما عدا الشافعي رحمه الله فإن مالكاً يقول: القاتل خطأ يرث من رأس المال قبل القتل، ولا يرث من الدية.

والخلاف في هذا موجود عند الأئمة رحمهم الله، والقصد فيه حرمان القاتل من الميراث لئلا يتعجل قتل مورثه من أجل أن يأخذ الميراث، ونظير ذلك من تزوج امرأة في عدتها، وهو يعلم أنها لا زالت في العدة، فإنه يفرق بينهما إلى الأبد، ولا يتزوجها بعد ذلك قط، حتى ولو تزوجت بعده برجل آخر؛ لأنه تعجل زواجها قبل انقضاء العدة؛ فيعامل بنقيض قصده، أي: حرصك عليها ضيعها منك، وكان الواجب الانتظار حتى تنتهي العدة وتصبح خاطباً من الخطاب، أو أن تحصل لك وعداً، أما أن تتزوجها وأنت تعلم فهذا يمنع منها إلى الأبد.

وهل يقام عليه الحد؟ منهم من يدرأ عنه الحد لشبهة العقد، ومنهم من يقول: يستحق الحد ويقام عليه.