قال رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه) رواه أبو داود، وصححه الحاكم وابن حبان] .
أتى المؤلف رحمه الله بحديث ابن عمر؛ لأن فيه أن الذي أخبر بالرؤية واحد، وهو ابن عمر، (تراءى الناس) ، أي: كل يرى لعله يراه، لكن ما رآه أحد إلا ابن عمر، وللأحناف هنا مباحث: إن كانت السماء صحواً فلم لم يره إلا ابن عمر؟ فهم لا يقبلون واحداً، وإن كان في السماء غيم فلا مانع، وقد يخفى الهلال على بعض أولي الأبصار القوية، ومن الضروري للتمكن من رؤية الهلال أول ليلة أن يعلم الرائي أين يكون الهلال في أول ليلة؛ ولذا يتتبعه بعض الناس في خط سير الشمس؛ لأنه يتبعها، فإذا كان يتتبع مجراها فحري أن يرى الهلال، فهو لا يذهب إلى يمين أو إلى يسار مجرى الشمس في غروبها، فإذا كان إنسان يعرف ذلك فلربما يراه، والآخرون لا يرونه لوجود الغيم، وهذا الذي ساقه هنا عن ابن عمر يوافق عليه الجميع.
إذاً: حديث ابن عمر يثبت قبول خبر الواحد، ونبهنا على الفرق بين أن يكون الأمر خبراً وبين أن يكون شهادة، مواطن الشهادة كما قال تعالى:{ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق:٢] ، أما الإخبار فيكفي فيه الثقة، حتى لو أن امرأة أخبرتنا بخبر فلا نرد ذلك الخبر، وكما قيل: وعند جهينة الخبر اليقين.
ومن قصص الجاهلية أن امرأة أخبرتهم أن القاتل ظفر به ولي المقتول فقتله، وكانوا يتشاورون: ماذا نصنع؟ وماذا نعمل؟ نقاتل أو لا نقاتل؟ ندفع دية أو لا ندفع؟ وبينما هم على ذلك، قالت لهم: صاحب الدم قتل صاحبه، فقالوا: قطعت جهيزة قول كل خطيب، فالخبر يكفي فيه الثقة، لا مجنون ولا سفيه ولا غبي، فإذا أخبر واحد برؤية الهلال؛ قبل ذلك ولي الأمر، وأمر بالصيام.