للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل يحدد ربح البائع؟]

يذكر الفقهاء في باب البيوع زيادة الثمن ونسبة الربح، فهذا الرجل كانت نسبة الربح عنده مائة في المائة، فكم نسبة الربح؟! ليست هناك نسبة في ربح البيع والشراء، ولكن ينبغي ألا يستغل البائع جهالة المشتري، وألا يستغل البائع حاجة المشتري واضطراره فيزيد عليه.

ذات مرة رأيت نسخة من كتاب (المستصفى) للغزالي، طبعة قديمة في مجلد ممتاز، فقلت لصاحب المكتبة: بكم هذا؟ قال: هذا غالي الثمن، ولعل هذا من باب التحريض، فقلت: بكم؟ قال: بخمسين ريالاً.

وكان في ذلك الوقت راتب الجندي الشهري ستين ريالاً، فكم تكون نسبة قيمة هذا الكتاب؟ وكم قدر الخمسين ريالاً لطالب العلم في ذلك الوقت؟ المهم اشتريت الكتاب، وحمداً لله وشكراً له على ما كنت عليه في ذلك الوقت، فرآه معي بعض الإخوان فأعجب به، وقال: من أين؟ فقلت: من فلان، قال: أوه! عسى ما أكلك، قلت: كيف أكلني؟ قال: هذا إذا عرف أن المشتري طالب علم، وله حاجة ماسة إلى الكتاب، يضاعف عليه القيمة، فمرة ثانية إذا أردت أن تشتري منه أرسل شخصاً عامياً عادياً ليشتري لك، بكم اشتريت؟ قلت: بخمسين ريالاً، قال: أوه! رده، قلت: لا والله! لو قال لي بمائة لاشتريته، فالفلوس تذهب وتنتهي، لكن هذا يبقى، ولا زال عندي بحمد الله إلى الآن منذ خمسين سنة في مكتبتي.

المهم أن مثل هذا كان المفروض عليه أن يخفف على طالب العلم.

ومرة أخرى كنت أريد كتاب (التقرير على التحرير) ، وفتشت عنه في المدينة وفي مكة فلم أجده، فقال لي رجل: هو موجود في مكتبة باصفرين في جدة في سوق الندى، فذهبت إليه، وبعد العشاء وجدت المكتبة، وكانت صغيرة، وفيها رجلان جالسان معهما فانوس، فسلمت عليهما، وقلت: لا مؤاخذة أقطع حديثكم قليلاً، قالا: نعم، قلت: يا شيخ عندك كتاب كذا؟ قال: نعم، عندي نسختان، قلت: أبغى نسخة، قال: ليست للبيع، قلت: في المثل: مطابق وأخوه عريان، يعني: كيف تلبس ثوبين وأخوك عريان؟ فأعطه ثوباً منهما، قلت له: لماذا يا شيخ؟! قال: هذه طبعة قديمة، وأصبح الكتاب مفقوداً وأنا معتز به، قلت: جزاك الله خيراً، لكن إذا جاءك طالب علم فبعه، لعل الله ينفعه به، وأنا مضطر إليه، وهو غير موجود، وعجزت أن أحصله، وأنت رجل كبير السن، وتعرف حاجة طالب العلم للكتاب، فقال: لا، أبداً، فقال له صاحبه: يا شيخ خف الله، معك في المكتبة نسختان، وطالب علم يجيء إليك ويقول لك: أبغى واحداً وتقول له: لا.

حرام عليك، قلت: جزاك الله خيراً ساعدني.

وأخيراً قال لي: بخمسة وثلاثين ريالاً، وهو ثلاثة أجزاء، والله! لو قال لي: بثلاثة آلاف، وكانت في يدي في ذاك الوقت، لأعطيته بطول يدي، فقلت له: مرحباً بخمسة وثلاثين أو خمسة وأربعين أكثر أو أقل بسيطة، فقال الذي بجواره: هات ثلاثين فقط قلت: والله! إنك رجل خير، وفيك بركة، تفضل، وقال لي: هما في الرف، تخير إحدى النسختين وخذها، وكانت النسختان متقاربتين، فأخذت نسخة منهما، وفي أمان الله، السلام عليكم.

يهمني أنه ليس هناك تحديد للربح، ولكن نؤكد على الرفق، وعدم استغلال جهالة المشتري، وعدم استغلال شدة حاجته.