صوم يوم عاشوراء له تاريخ طويل، فقد جاء في حديث عائشة قالت:(يوم عاشوراء كانت العرب تصومه في الجاهلية، وكان صلى الله عليه وسلم يصومه -أي: قبل البعثة- فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه فسألهم عن سبب صومهم؟ فقالوا: هذا يوم مبارك، نجى الله فيه موسى وأهلك فرعون، فصامه موسى شكراً لله وصمناه) .
إذاً: اتفق أهل مكة الوثنيون وأهل المدينة اليهود الكتابيون على صومه، فصام اليهود هذا اليوم؛ لأنه يوم مبارك نصر الله فيه الحق على الباطل، وهناك تاريخ مسبق يذكره بعض العلماء -والله تعالى أعلم بحقائق التاريخ- يذكرون أن يوم عاشوراء هو اليوم الذي رست فيه سفينة نوح واستوت على الجودي، وأنه هو اليوم الذي أطفأ الله فيه نار النمرود التي أوقدها على إبراهيم، وأنه كذلك هو اليوم الذي أهلك الله فيه فرعون ونجى فيه موسى، فيذكرون في التاريخ أن هذه الأحداث وقعت في يوم عاشوراء، ويذكرونها إما متسلسلة وإما متباعدة.
والله تعالى أعلم.
والذي عندنا من النقل الصحيح هو من بداية موسى مع فرعون، فلما أُخبر صلى الله عليه وسلم من اليهود عن سبب صومهم لهذا اليوم، قال:(نحن، وفي رواية: أنا أحق بموسى منكم) سبحان الله! بعد آلاف السنين يكون صلى الله عليه وسلم أحق منهم بموسى مع أنهم أمته الذين بعث فيهم؛ لأنهم غيروا ما كان عليه موسى أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغير كما قال تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}[البقرة:٢٨٥] .
فآمن النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت الأمة بموسى وبجميع الأنبياء وبما جاءوا به من عند الله، أما اليهود فمعلوم أنهم غيروا وبدلوا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.
قال صلى الله عليه وسلم:(نحن أحق بموسى منكم) ، فصامه وأمر الناس بصيامه وفي بعض الروايات:(نحن أبناء علات ديننا واحد) ، والعلات جمع علة وهي: المرأة تأتي بعد المرأة تحت الرجل الواحد أي: أن أممنا متفاوتة ولكن الأصل لنا جميعاً واحد وهو الوحي من عند الله، فصام هذا اليوم وأمر بصيامه.
ويأتي هنا سؤال: هل صومه صلى الله عليه وسلم كان تبعاً لليهود؟ الجواب: لا؛ لأن عائشة رضي الله تعالى عنها تقول:(كانوا يصومونه في الجاهلية، وكان صلى الله عليه وسلم يصومه) أي: قبل البعثة.
إذاً: صومه كان معروفاً ولكن السؤال جاء عن سبب صوم اليهود، وقريش كانت تصوم يوم عاشوراء، وتجدد فيه كسوة الكعبة، وهذا يعني: أنه كان معروفاً لهم، ولكنه هنا سأل فوجد سبباً جديداً، وهو تجدد نعمة من الله على عباده، وهي نصرة الحق على الباطل، وهذه نعمة متجددة تقابل بالشكر، وسيأتي في حق النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين أنه ولد وبعث فيه، وهذه كذلك نعمٌ متجددة تقابل بالشكر.