حديث: (كان صلى الله عليه وسلم يغسل المني ... )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل) ، متفق عليه.
ولـ مسلم: (لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً فيصلي فيه) ، وفي لفظ له: لقد كنت أحكه يابساً بظفري من ثوبه] .
ذكر المصنف رحمه الله من ما يتعلق بالمني، وقد جاءت في المني عدة أحاديث، منها: حديث عائشة رضي الله عنها الذي ذكره المصنف: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني، ثم يخرج للصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل) ، فهذا النص الأول فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني، والغسل يكون للطهارة، ويكون للقذارة، فهل كان المني نجساً فغسله، أو كان مستقذراً في الثوب فغسله؟ وفي الموطأ أن عمر رضي الله تعالى عنه في عام المجاعة -في أواخرها- صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى بستانه جهة الغابة في الجرف، وبعد طلوع الشمس وجد المني في ثوبه، فقال: ما أُراني إلا صليت بالناس جنباً -فاحتلم ولم يدر-، وقال: لما أصبنا الودك، لانت العروق، وجرى المني، وهذا معروف، فقد يحتلم الإنسان، ولا يرى شيئاً في منامه، ولا يعلم بالاحتلام إلا إذا وجد المني في الثوب، فيفيض الماء، دون شعور الإنسان، أي: أن الشعور الداخلي عمل عمله، وهو لا يدري، فغسل ثوبه وأعاد صلاته.
وهنا يأتي الخلاف في غسل المني، فقوم قالوا: غسل المني لنجاسته؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل المني من ثوبه، ومالك يروي أن عمر غسل ثوبه من المني، فالمني نجس، وهذا قول مالك وأبي حنيفة رحمهما الله، وقالوا: إنه فضلات تخرج من الجسم، كبقية الفضلات الخارجة من غير الفم والأنف؛ لأن الفضلات الخارجة من الفم والأنف ليست بنجسة، والفضلات التي تخرج من القبل والدبر كلها نجسة، وهذا تابع لها، هكذا قالوا.
لكن إذا جئنا إلى النصوص الأخرى مثل حديث عائشة الذي تفرد به مسلم: (لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً فيصلي فيه) .
قوله: ولـ مسلم أي: في رواية مسلم، عن عائشة، وفيها: أنها كانت تفرك المني من الثوب فركاً، ثم يصلي فيه، فهل -يا ترى- الفرك يطهر الثوب من النجاسة؟ فلو كانت في الثوب عذرة، أو دم، فهل الفرك يطهره؟! لا.
إذاً: جاء المصنف رحمه الله بهذا الحديث -حديث الفرك- ليبين أن الغسل لم يكن عن نجاسة، وإنما كان للنظافة، إذ أن بقاء المني في الثوب مستقذر، وإنما كان يفرك من الثوب؛ حتى تضيع بعض معالمه، وهذا بخلاف النجاسة، وسيأتينا في باب الحيض لما سئل صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ قال: (حتيه، واقرصيه بالماء، ثم انضحيه، ثم لا يضركِ أثره) ، اغسلي، وانضحي، وحتي، وإذا لم يذهب الأثر؟! قال: لا يضركِ بعد هذا؛ لأنكِ بذلتِ الجهد.
إذاً: الفرك يقف في جانب من جانبي الغسل، فمثلاً إذا وقعت ملوخية على الثياب، فهل تتركها أم تغسلها؟! تغسلها، وهل هي نجسة؟ لا.
لأنك تأكلها، ولكنها مستقذرة إذا وقعت في الثوب.
إذاً: تغسيل الثياب -الوارد في المني- يحتمل أن يكون للنجاسة، ويحتمل أن يكون للنظافة، فلما جاء المؤلف بحديث الفرك عرفنا أن الغسل للنظافة لا للنجاسة.
وفي لفظ له: (لقد كنت أحكه له يابساً بظفري من ثوبه) .
لقد كنت أحكه يابساً بظفري؛ لأن الظفر أشد حدادة، فإن فركته لا يذهب، ولكن إذا حكيته بالظفر شيئاً فشيئاً فإنه يذهب كله.
وجاء في بعض الروايات: إذا كان يابساً حككته بظفري، وإذا لم يكن يابساً أماطه بعود الإذخر، إذاً: لا يتعين غسله بالماء سواء كان رطباً أو يابساً، ومجموع تلك الصور: أن المني تارة يغسل، إن كان رطباً، وتارة يحك، إن كان يابساً، وهذا مذهب وسط؛ وأحمد والشافعي قالا بطهارته، وهناك من أراد أن يوفق بين الرأيين فقال: هو نجس ولكن يكتفى في تطهيره، إن كان رطباً فبالغسل، وإن كان يابساً فبالفرك، والحك بالظفر، ولكن التحقيق من عموم النصوص: أن المني طاهر.