ثم بعد ذلك كان من عمل النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الغد، وهو أول أيام التشريق انتظر حتى زالت الشمس، فركب وأتى إلى الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف، فرماها بسبع حصيات مستقبلاً الجمرة والكعبة، يعني: مستقبلاً القبلة، جاعلاً الجمرة بينه وبين الكعبة، أي: على مستوى مسيره من المسجد، فإذا خرجنا من المسجد وتوجهنا إلى الجمرات فإننا نواجه الجمرة الأولى في طريقنا ونكون مستقبلين الكعبة ومتوجهين إلى مكة، وهناك رمى صلى الله عليه وسلم الجمرة بسبع حصيات، ثم تنحى جانباً، واستقبل القبلة ووقف ودعا طويلاً، ثم مضى إلى الجمرة الوسطى أيضاً وهو مستقبل القبلة، ورماها بسبع حصيات، ثم تنحى جانباً واستقبل القبلة ودعا طويلاً، ثم مضى إلى جمرة العقبة الكبرى، وتياسر مع الوادي، وجعل الجمرة أمامه، ومنى عن يمينه، ومكة عن يساره، ورماها بسبع حصيات وانصرف ولم يقف عندها ولم يدع.
يقولون: إنه لم يقف لأن المكان لا يتسع؛ لأن عندها العقبة، وهي: جبيل صغير، والجمرة تقع بجانبه من جهة بطن والوادي، فيقف الواقف في بطن الوادي ويرمي، وليس هناك متسع؛ لأن كل من رمى إذا أراد أن يدعو، وجاء إلى بعض الجوانب فسيجد العقبة تشغل المكان وليس هناك محل يمكن أن يقف الناس فيه ليدعوا كما دعوا في الأولى وفي الوسطى، فرمى جمرة العقبة الكبرى، وهي الأخيرة، أي: التي رماها بالأمس يوم العيد، وجعلها آخر ما رمى من الجمرات الثلاث، ثم رجع إلى مخيمه.
وهكذا فعل في اليوم الثاني من أيام التشريق مثل ذلك.