وأما حكم الوضوء لمن حمل ميتاً والغسل لمن غسله فجمهور العلماء على أن ذلك ليس بواجب عليه، وإنما هو مندوب إليه، وقالوا: حديث متكلم فيه: (من حمل ميتاً فليتوضأ، ومن غسله فليغتسل) متكلم فيه، وجاءت آثار عن السلف رضوان الله تعالى عليهم أنهم حنطوا موتى ولم يغتسلوا، ومن أشهر ذلك: ما جاء في موطأ مالك رحمه الله: أن أسماء زوج الصديق رضي الله تعالى عنهما يوم أن توفي رضي الله تعالى عنه هي التي تولت غسله، ثم خرجت على الناس وقالت: أيها الناس! لقد غسلت أبا بكر وأنا اليوم صائمة، وهذا اليوم شديد البرد، فهل تجدون علي من غسل؟ إذاً: عندها خبر عن تغسيل الميت والغسل، وهذه قضية متداولة، لكنها لم تتأكد من الإيجاب على أن من غسل ميتاً يغتسل، فكلهم أجابوها: لا نرى وجوباً عليك.
وقد عدد ابن عبد البر في الاستذكار آثاراً منها:(من غسل ميتاً فأصابه منه شيء فليغتسل، ومن غسل ميتاً فلم يصبه منه شيء فلا شيء عليه) .
وهكذا يستحب الوضوء لمن حمل ميتاً، لا لحمل الميت لأن الميت -أصلاً- طاهر، وهو لم يباشره، إنما يباشر خشب النعش وقالوا عن علة ذلك: ليكون على استعداد للصلاة عليه عندما توضع الجنازة، لكن إذا جاء وهو بغير وضوء ووقف الناس يصلون فهو يقف منعزلاً عنهم، وإن ذهب وتوضأ فقد تفوته الصلاة.
إذاً: قوله: (من حمل ميتاً) أي: من أراد أن يحمل ميتاً فليتوضأ ليكون على استعداد للصلاة على الميت حينما يصلي عليه المصلون.
وذكروا عن عبد الله بن عمر أنه حنط طفلاً له؛ أي: غسله وكفنه، ودخل المسجد وصلى عليه، ولم يغتسل ولم يتوضأ، وكذلك سعيد بن العاص حنط فلاناً ولم يغتسل، بل ولم يتوضأ وصلى، فذكروا آثاراً عديدة تدل على أن الوضوء لحمل الميت، أو الغسل من تغسيله، إنما هو على سبيل الندب والتهيؤ للصلاة عليه مع المصلين، والله تعالى أعلم.