الأذان من خصائص الصلوات الخمس، وكانوا في بادئ الأمر يعلم بعضهم بعضاً حينما يأتي وقت الصلاة، ويخرج المبكر ويمر على بيوت الآخرين في الطريق يقول: جاء وقت الصلاة، والثاني من جهة، والثالث من جهة، ثم كثر الناس وثقل هذا الأمر، فاجتمعوا ليختاروا وسيلة إعلام بدخول الوقت، فقوم اقترحوا الناقوس، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا للنصارى، وقوم اقترحوا البوق، فقال: هذا لليهود، وقوم اقترحوا أن يشعلوا ناراً، فقال: هذا للمجوس.
ثم افترقوا ولم يتفقوا على شيء، وإذا بـ عبد الله بن زيد يرى في منامه أنه رأى رجلاً يلبس بردين أخضرين يحمل ناقوساً على كتفه -وفي بعض الروايات: عوداً على ظهره- قال: أتبيع هذا الناقوس؟ قال: ماذا تفعلون به؟ قال: نؤذن به للصلاة قال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: تقولون: (الله أكبر) أربع مرات، ثم ذكر ألفاظ الأذان كاملة، ثم تنحى عنه، ثم قال: ثم تقولون: (الله أكبر الله أكبر) وذكر الإقامة كاملة، فاستيقظ وجاء فرحاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص عليه ما رأى، فقال: إنها رؤيا صدق، قم فألقه على بلال؛ فإنه أندى منك صوتاً، فقام بلال يؤذن وقت الصلاة، فإذا بـ عمر يأتي يجر رداءه مسرعاً فقال: يا رسول الله! والله لقد رأيت مثلما سمعت، رأيت في النوم مثل هذا الذي سمعته من بلال! قال: قد رأى عبد الله مثل ذلك.
وقد يقال: إن الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة وهي فريضة وركن الإسلام الأكبر، والرسول صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي ليلاً ونهاراً، فكيف لا ينزل عليه الوحي ويترك ليراه صحابي في النوم! مع أن الوحي قد جاءه صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة وفي نعليه أذى ليقول له جبريل: اخلع نعليك يا محمد؛ فإن فيهما أذى، فكيف لا يأتيه بالأذان؟ والذي يبدو لي أن هذا هو عين الحكمة؛ لأن الأذان فيه أعظم منقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظم شرف ومكانة، وذلك حين يقرن اسمه صلى الله عليه وسلم بـ (لا إله إلا الله) ، فيقول المؤذن بأعلى صوت:(أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله) فلما كان فيه تكريم لرسول الله إلى هذا الحد ترك المجيء به عن طريق الوحي إلى أن يراه شخص من الناس، فيقول: رأيت فيما يرى النائم.
ويذكر الأذان.
فحينما يُعلم بهذا على المنائر لا يمكن لمنافق رغم أنفه أن يأتي ويقول: إن محمداً صلى الله عليه وسلم يمدح نفسه على المنائر فيقرن نفسه مع (لا إله الله) ، فالوحي تخلى عن ذلك وتركه حتى يأتي لفظ الأذان مشروعاً على لسان رجل من عامة الناس.
وليس التشريع لرجل من عامة الناس! ولكن لما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنها لرؤيا حق) فأقرها، وحينما قال:(رؤيا حق) دخلت بذلك في التشريع، فنقول: شرعها رسول الله.
أي: صادق عليها.
فكان الأذان أساساً لإعلام الناس وهم متفرقون في بيوتهم للصلاة، ولكن يوم العيد ليس الناس فيه بحاجة إلى من يناديهم، فكلهم مجتمعون منذ الصباح، فقد مضت أيام وهم ينتظرون مجيء العيد، فهم متواعدون على الاجتماع قبل أن يأتي وقته، فلا حاجة إلى هذا النداء، وهذا أمر.
والأمر الثاني وهو أدق -أن المؤذن ينادي ويقول:(حي على الصلاة) ، ومعنى ذلك: أقبلوا يا سامعين، فيتعين على كل من سمع أن يقبل، وصلاة العيد لا تتعين على كل من يسمع.
إذاً: فلما لم تكن صلاة العيد متعينة لم يكن النداء عاماً يشمل الجميع، وعلى هذا كانت صلاة العيدين في واقع أمرها في غنى عن أن يشرع لها أذان أو إقامة.