وكان بناء الكعبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وقد اختلفت قريش في بناء الكعبة وقضية اختلافهم معروفة فيمن ينال شرف وضع الحجر في مكانه من بناية الكعبة، فإنهم لما هدمت الكعبة، اتفقوا على بنائها، ولما بدءوا بالبناء قسموا الجهات الأربع على قبائل قريش، وكل جهة قامت بالبناء إلى أن ارتفع البناء إلى مكان الحجر الأسود، فتنازعوا فيمن يضعه حتى كادوا أن يقتتلوا، فألهم الله سبحانه وتعالى بعض عقلائهم، وقال: علامَ نقتتل، لنحكم أوّل من يخرج علينا من هذا الطريق، فنظروا فإذا أول من خرج عليهم هو محمد بن عبد الله -وهذا قبل الرسالة- فأنطق الله الجميع: هذا الأمين ارتضيناه.
إذاً: هو قبل ما يقول لكم: قولوا: لا إله إلا الله كان الأمين، وبعدما قالها كان المجنون؟! هذا تناقض واضح، لكن الله سجل عليهم هذا الاعتراف، فلما جاء صلى الله عليه وسلم أخذ رداءه ووضعه على الأرض، وأخذ الحجر بيديه الكريمتين ووضعه في وسط الرداء وقال: لتأخذ كل قبيلة بطرف الرداء ولترفع، فاشتركوا في حمله وفي رفعه جميعاً، ولما رفعوه إلى أن ساوى موضعه من الجدار أخذه صلى الله عليه وسلم بيديه الشريفتين ووضعه في مكانه إذاً: هذا الشرف الذي كادوا يقتتلون عليه جميعاً ظفر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه من أول المقدمات للتكريم، ومن أول الاعترافات المنتزعة منهم إجبارياً بأنه الأمين.