ترك النبي عليه الصلاة والسلام خيبر في أيدي اليهود يعملونها بالنصف، فإنه لما أراد أن يجلوهم صلى الله عليه وسلم عنها، قالوا:(نحن أعرف بالأرض وبالنخل وبالزراعة منكم، وأنتم مشغولون عنها، فدعنا فيها نقوم بها، فقال: نترككم ما شاء الله) ، يعني: بدون تحديد زمن، وبدون التزام، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليهم عند إبان الجذاذ من يخرص نخلهم، وأرسل إليهم يوماً عبد الله بن رواحة، فجمعوا له من حلي نسائهم وقالوا: هذا لك وخفف عنا، يعني: إن كنت تجد أن نخل خيبر ألف وسق فاجعلها ثمانمائة أو سبعمائة، لكنه كان أشد خوفاً لله منهم، وقال (والله -يا إخوة الخنازير- لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض الناس إلي، وليس حبي لرسول الله أو بغضي إياكم بحاملي على أن أحيف عليكم، أنا قاسم وإن شئتم فاقبلوا ووفوا إلينا، وإن شئتم فارفعوا أيديكم ونوفي إليكم) ، فقالوا: يا ابن رواحة! والله! بهذا قامت السماوات والأرض، أي: بالعدالة حين القدرة، فهو قال فيها: عشرة آلاف وسقاً، لكم خمسة آلاف، ولنا خمسة آلاف، فإن شئتم التزموا لنا بالخمسة الآلاف وسقاً ونكف عنكم، وإن شئتم ارفعوا أيديكم ونحن ندفع إليكم خمسة آلاف وسقاً، فهذه هي عين العدالة والمساواة.
الوكالة بابها طويل، والحاجة إليها ضرورية ولازمة، والوقت لا يتسع لأكثر من هذا، والوكيل الذي ذهب لقبض أموال الزكاة وكيل عن ولي الأمر مطلقاً، ولو ماتت بعض الأنعام في طريقه، فهل عليه شيء من هذه الأنعام؟ يده يد أمانة، لا ضمان عليه فيها إلا إن فرط أو تعدى فهو ضامن، وإن لم يفرط ولم يتعد فليس بضامن؛ لأنه مؤتمن على ذلك، ولم تجن يده جناية على ما تحت يده.
وهل له أن يتصرف فيها ويبدلها؟ فعل ذلك معاذ في اليمن، فإنه استبدل الزكاة والجزية بالثياب، وقال: هذا أرفق عليكم، وأنفع لأصحاب محمد؛ لأن مئونة النقلة من اليمن إلى المدينة كبيرة، فعندما يسوق بهيمة الأنعام من اليمن إلى المدينة، كم يأخذ عليه من زمن؟ وكم يتلف عليه منها؟ فبدلها بالوكالة عن ولي الأمر بثياب.