نأتي إلى هذا التاجر المحتكر، كيف يزكي تجارته؟ فلم يبع ولم يشترِ، وبضاعته مخزونة، فماذا يفعل؟ يقول الجمهور كـ أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله: عليه أن يقدر ما عنده من عروضِ احتكرها في نهاية الحول ويخرج زكاتها، فإذا جاء حولٌ آخر ولم يبعها قاصداً للاحتكار، فإنه يقدرها مرةً أخرى ويزكي، وهكذا ما دامت موجودة وهو ممتنع عن إخراجها لأيدي الناس فإنه يزكيها كل سنة.
وهذا مذهب الأئمة الثلاثة.
والإمام مالك رحمه الله يقول: هذا المحتكر -على أساس أنه ليس بخاطئ- الذي أمسكها وليس بالناس الحاجة الضرورية إلى ما بيده، ليس متعمداً إضرار الناس، فما دامت السلعة متوفرة في السوق يخرجها المحتكرون كرهاً أو رضاً، اضطر إلى القيمة أو قنع بالسعر الموجود، وبقي بعض الأشخاص محتكراً، فإنه ينتظر حتى ينتهي هؤلاء، فما دام لا يدخل في نطاق الخاطئ باحتكاره، حتى يقول بعض العلماء: قد يؤجر في ذلك؛ لأنه حفظ للناس السلعة يخرجها عندما يحتاجونها، وحينما يحتاجها السوق، فليس متعمداً التحكم فيهم.
إذاً: هذا الشخص إذا حال الحول على عروض تجارته، هل يقدرها ويزكيها؟ فالإمام مالك يقول: المحتكر له حقٌ شرعي في أن يكتنز هذه السلعة، فلا يزكيها إلا إذا باعها.
فمثلاً: يكون السعر في السوق منخفضاً، وهو جمعها في وقت الموسم بألف، لكن ورد من خارج البلد من نفس السلعة الكثير، وأصبح ذو ألف يساوي خمسمائة، فانتظر حتى يتوقف الوارد من الخارج ويعتدل السوق ثم باع، فهذا ليس متحكراً خاطئاً، وإنما ينتظر بسلعته السوق النافقة التي يحصل فيها على رزق؛ فهذا الشخص لا يلزمه مالك أن يقدر في نهاية كل حول ويخرج الزكاة، بل يقول: ينتظر الحول بالقيمة؛ لأنه انتظر حولاً وأحوالاً وهي عروض، فالزكاة واجبة فيها من أول، لكن لا نلزمه لأنه لم يبعها، ولو قدر أننا ألزمناه وانخفضت السلعة وكانت أنقص مما قدرها عندما زكاها، فنكون ألزمناه بزكاتها وهو لا يملك الألف.
فـ مالك رحمه الله يعتبر في ذلك نفاذ السلعة، وهذا في الواقع قد ينفع بعض الناس؛ لأننا جربنا في المدينة وسمعنا أن بعض الناس كان هناك ما يسمونه (طفرة) في الأراضي، وكانت تقع صفقات في المجلس الواحد للقطعة الواحدة أو للمربع الواحد أو للأرض الكاملة، وتتضاعف القيمة، فهذا إذا اشترى في هذه الطفرة والسعر مرتفع، ثم وقف وانتبه الناس وبدأ السعر ينخفض، ولم يعد هناك سوقٌ نافقة، وأصبح يدل بها عند الناس فلا يجد من يشتري، فعند ذلك لو ألزمناه أن يقدرها في كل حول، ومكثت خمس أو عشر سنين، نقول: في تلك العشر السنوات التي نزلت فيها قيمة الأرض قد أخذنا منه زكاةً عليها يمكن أن تقارب قيمتها أو نصف القيمة.
فـ مالك يقول: المتحكر غير الخاطئ والذي ينتظر السعر المناسب فإنه لا يزكي عروض تجارته التي احتكرها إلا إذا باعها.