للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام ميراث الولاء]

قال المصنف رحمه الله: [وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان) رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وصححه ابن المديني، وابن عبد البر] .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب) رواه الحاكم من طريق الشافعي، عن محمد بن الحسن، عن أبي يوسف، وصححه ابن حبان وأعله البيهقي] .

هذان الحديثان يكمل بعضهما بعضاً، الأول: (ما أحرز الولد فهو لعصبته من كان) وأين أصحاب الفروض؟ قالوا: هذا ليس له دخل في الفروض، هذا جزء من الحديث الذي بعده، هذا فيما يتعلق بغير المال والميراث، مثل الحقوق العامة، والشفعة، ورد العيب، وبالأخص هنا في باب الميراث، فلعصبته ما كانوا.

الذي يختص بالعصبة في الميراث، ولا يدخل فيه صاحب فرض هو الولاء، فالولاء لحمة لا يوهب ولا يورث، إذاً ما أحرز الوالد والولد في الولاء فهو لعصبته من كان، ولا دخل لأصحاب الفروض في الولاء، والولاء لحمة كلحمة النسب لا يوهب ولا يورث ولا يباع، لا ينقل بعوض، ولا يتحكم فيه وارث.

وقوله في الحديث الأول: (لعصبته من كان) ، فيه قضية يذكرها الفرضيون، وأثناء الطلب أتعبتنا جداً، ولا ميراث لعصبة عصبة المعتق إلا إذا كانا عصبة للمعتق، وهو محل هذا الحديث.

يمثل له الفرضيون بصورتين: صورة يتحقق فيها عصبة المعتق، وصورة تنتفي فيها عصبة المعتق.

وذكر صاحب العذب الفائض في بعض فروعها يقول: غلط فيها من القضاة (ت) والتاء في حساب حروف الجمل أربعمائة (أبجد هوز) أربعمائة قاض غلطوا فيها، عصبة عصبة المعتق: رجل تزوج بامرأة من قبيلة تميم، والمرأة ليس لها عاصب في قبيلتها وقد أنجبت ولداً، وأعتقت عبداً، ثم توفيت فولاء العبد الذي أعتقته لابنها؛ لأنه عاصبها وأقرب عصبة لها، وإذا كان هذا الولد بعد أن حاز الولاء إليه توفي، وترك عمه أو ابن عمه وهم عصبة له، لكن هل هم عصبة للمرأة؟ لا، وعندئذ إذا حاز الولد الولاء بعصبته لأمه فعصبة عصبة المعتقة لا يرثون الولاء؛ لأنهم ليسوا عصبة للمعتقة الأساسية.

نعيد القضية بطريقة أخرى: مصري تزوج سودانية، فكان لهما ولد، والسودانية أعتقت عبداً، ثم ماتت عن ولاء العبد وعندها ولدها، فولاء من أعتقت لولدها من زوجها المصري.

فإذا مات الولد وفي حوزته الولاء الذي ورثه عن أمه، ويوجد عم للولد -مصري بلا شك- وابن عم عمه، فعمه وابن عمه عصبة له يرثان عنه المال، لكن هل يرثان عنه الولاء بالعصبة؟ لا، لماذا؟ لأنهما ليسا عصبة للسودانية.

مثال حينما يكون عصبة عصبة الميت عصبة للمعتق: امرأة تزوجت بابن عمها، هناك صلة؛ فالأسرة واحدة والجد واحد، وهذه المرأة أعتقت عبداً، وكان لها ولاؤه، ثم جاءت بولد حاز الولاء عن أمه، ثم مات الولد، وورثته أخته أو بنته أو عمه ممن هم عصبة له، أما ميراث المال فمستحق، وكذا العم عاصب في المال أيضاً.

بقي الولاء.

فعم الولد هل هو عاصب للمرأة التي أعتقت أم لا؟ عاصب؛ لأنها متزوجة بابن عمها، وعم الولد ابن عمها أيضاً، فهو عاصب لها في الأصل، إذاً: يحق له أن يرث الولاء.

هذا معنى قوله: (ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان) .

أما الحديث الآخر: (الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع، لا يوهب) ، ولا يورث.

إلخ.

هنا مسألة: فالولاء وصف معنوي يستحقه المعتق على من أعتقه؛ لأنه بمثابة من أخرجه من العدم إلى الحياة، كان ميتاً معنوياً، تحت حكم سيده لا يتولى المناصب الشرعية كالقضاء والولايات وغيرها، فلما أعتق صار كبقية الأحرار في حقوقهم الخاصة، فإذا مات المعتَق فولاؤه للمعتِق، ماذا ينفعه هذا الولاء للمعتق؟ يرث به ميراث العصبة، ولكن متى؟ قالوا: درجات انتقال التركة إلى الغير تبدأ بالفروض لقوله: (ألحقوا الفرائض بأهلها) ، فأول شيء نعطي أصحاب الفروض فروضهم.

المرتبة الثانية: العصبة لقوله: (فما بقي فلأولى رجل ذكر) .

فإذا بقيت سهام ولم يوجد عاصب نرد على الورثة بنسبة ميراثهم، وهو نظام ما يسمى بنظام الرد، أو أننا ندخل ذوي الأرحام بعد العصبة النسبية، وهم يختلفون أيهما يقدم: الرد، أم إدخال ذوي الرحم ليأخذوا الباقي على نظام توريث ذوي الرحم بالتنزيل أو القرابة، ثم بعد ذلك العصبة بالسبب، والعصبة بالسبب هي الولاء، فالولاء هو آخر من يأتي إلى الميراث.

مسألة: عتق إنسان عبداً، وأصبح له الولاء عليه، فبالولاء إذا مات العبد وكان له أولاد أو ذوي فروض أعطينا ورثة العبد مما يملك على الترتيب السابق: ذوي الفروض، ثم العصبات، ثم الرد أو ذوي الرحم، ثم المعتق بالولاء.

مسألة: أعتق عبداً ومات السيد قبل العبد، ولم يكن للسيد من يرثه، أو عنده أصحاب فروض، فما بقي بعد الفروض هل العبد الأدنى -يسمى العبد الأدنى أو الولاء الأدنى والولاء الأعلى، أو المولى الأدنى أو المولى الأعلى- يرث سيده؟ لا يرث، ويصير حقه إلى بيت المال، فأيها أقرب وأولى بالمنفعة: هذا العبد الذي كان يخدم طوال عمره في حياة سيده، أو بيت المال الذي كل إنسان يأخذ منه خمسه؟ هو أقرب.

ويذكرون عن عثمان رضي الله عنه -ورواية عن أحمد - أن الولاء يورث به من الطرفين كالزوجية، أي كما أن كلاً من الزوجين يرث الآخر، فهو سبب مزدوج.

ولكن الجمهور على أن الولاء لطرف واحد، وهو للمولى الأعلى يرث بولائه عتيقه.

والله تعالى أعلم.