[الآية وترتيبها لأعضاء الوضوء]
أعضاء الوضوء المنصوص عليها في الآية الكريمة هي في قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:٦] وهذه الأربعة الأركان بالترتيب.
فلو غسلتَ القدمين ثم مسحت الرأس ثم غسلتَ اليدين ثم الوجه فإنك تكون أتيتَ بالأركان المذكورة في الآية.
وكما يقولون: (الواو) لا تقتضي الترتيب، ولكن تقتضي التشريك.
و (ثم) و (الفاء) هما اللتان تدلان على الترتيب والتعقيب، أما (الواو) كمثل: (جاء زيد وعمرو) ، و (زارني اليوم زيد وعمرو) ، فلا تعطي الأولية للذي جاء أولاً، ولا تفيد ترتيب مجيئهما إليك.
فلما كان الأمر كذلك أمكن البداءة باليدين ثم الرجلين ثم الوجه ثم مسح الرأس، فكل هذا ممكن؛ لأنه لا يوجد نص فيما يتعلق بالترتيب.
والآية ذكرت الأعضاء الأربعة في نسق، فجاء الحديث لما سأله رجل: (من أين نبدأ يا رسول الله؟) بياناً لما يبدأ به.
بل كان هناك سؤال قبل ذلك، فلما اقتربوا من مكة قالوا: يا رسول الله! من أين ستدخل مكة؟ ومكة لها مدخلان، كَداء وكُداء، وهما موقعان متقابلان، ولذا يقول بعضهم في هذا من باب الظرافة والدعابة: افتح وادخل، واضمم واخرج.
والمعنى: (افتح) تورية بفتح الباب، والمراد به (كَداء) ، واضمم واخرج أي: من (كُداء) .
فقالوا: من أين ستدخل يا رسول الله؟ وكان أعلاها يسمى (كَداء) ، وأسفلها يُسمى (كُداء) ، وهي مداخل لمكة من بين الجبال، فإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يحيلهم على أمر أدبي، وعلى نصرة الدعوة في الشعر الإسلامي، فقال: (انظروا ماذا قال حسان!) .
وذلك أنه هجا أهل مكة فقال: عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كَداءُ فـ حسان يتوعد أهل مكة بمجيء الخيول بكثرة، وبكثرتها تثير النقع أي: الغبار، وموعدها؟ كَداء.
فلما نطق الشاعر المسلم الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه بأحد المتساويين أيده رسول الله، وأيد شعره في نصرة الإسلام، وأمرهم أن يطبقوا قول حسان، فدخلوا من (كَداء) .
ولما دخلوا مكة وطافوا بالبيت وأرادوا السعي لقوله تعالى في الآية الكريمة: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:١٥٨] سألوا رسول الله، فقال: (ابدأوا) ، فهي جواب عن سؤال منهم رضي الله تعالى عنهم لما رأوا الطرفين متساويين، وتصح البداءة من أيهما؛ ولكن كان الرسول موجوداً فسألوا: من أيهما تكون البداية؟ فقال: (ابدأوا بما بدأ الله به) .