للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم دخول غير المسلمين إلى المسجد]

والناحية الفقهية في هذا الباب -باب المساجد- ظاهرة في قوله: فجاءت -أي الخيل- برجل أي: جاءت به أسيراً، فهو ليس مسلماً، ودخل المسجد، فما حكم دخول غير المسلمين المساجد؟ هذه مسألة -كما يقولون- فيها قليل من التطويل، وأخونا الشيخ عبد الله ولد والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه -في الآونة الأخيرة- جمع رسالة صغيرة في هذه المسألة.

ووالدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في أضواء البيان تكلم عنها عند قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:٢٨] ، والمسألة تتلخص في الآتي: يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨] ، والمشركون جنس معين، وهم أهل الأوثان، بخلاف أهل الكتاب.

وقال تعالى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة:٢٨] ، فجعل مالك رحمه الله أصل المسألة في المشركين، وقاس عليها أهل الكتاب: يهوداً ونصارى، وأخذ المسجد الحرام كأصل، وقاس عليه جميع مساجد العالم، فقال مالك: لا يدخل كافر مطلقاً -سواءٌ أكان مشركاً، أم وثنياً، أم كتابياً يهوياً أو نصرانياً، أم بوذياً- أي مسجد من المساجد نصاً وقياساً.

والإمام أبو حنيفة رحمه الله جعل المسألة خاصة بالمشركين وبالمسجد الحرام فقط على نص الآية.

والشافعي وأحمد رحمهما الله جعلاها في عموم الكفار، وبخصوص المسجد الحرام.

فهذا خلاصة خلاف الأئمة رحمهم الله، وإذا جئنا إلى قصة ثمامة نجد أنه رجل مشرك أدخل المسجد، وربط في السارية، فهذا ينقض على مالك اعتبار عموم المساجد بالمسجد الحرام؛ لأنه قال: جميع المساجد يمنع منها جميع الكفار والمشركين فهذا مشرك دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتعميم في المساجد ينقضه دخول ثمامة.

وهنا أيضاً دليل آخر، وذلك لما جاء وفد ثقيف، ووفد ثقيف من الطائف وكانوا مشركين، جاءوا في السنة التاسعة من الهجرة -عام الوفود-، ونحن نعلم ما فعلت ثقيف برسول الله صلى الله عليه وسلم حينما جاءهم إلى الطائف سنة تسع من البعثة، فأساءوا إليه صلوات الله وسلامه عليه، ولما جاءوا سنة تسع من الهجرة -عام الوفود- أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وبنى لهم خياماً في المسجد، وكان ذلك في رمضان، وكانوا يرون الناس يصلون، وكان صلى الله عليه وسلم هو الذي يشرف على خدماتهم، وكانوا من شدة خوفهم لا يأكلون طعاماً جيء به إليهم حتى يأكل الذي جاء به منه أمامهم، وكان صلى الله عليه وسلم -من مكارم أخلاقه وحسن ضيافته- يأتيهم بعد العشاء، ويقف على خيمتهم، ويتحدث معهم في أيام العرب وفي أحاديثهم، ويراوح بين قدميه، فمرة يقف على اليمين، فلما يطول القيام قليلاً يريحها، ويقف على اليسار من طول ما يقف عند خيمتهم متحدثاً معهم.

فهذا وفد من المشركين نزل في المسجد النبوي.

وأما غير المشركين فأهل نجران، وليسوا وثنيين، ولما جاءوا المدينة جاءوا إلى المسجد، ولما جاءوا وطلب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم المباهلة قالوا: أمهلنا إلى الغد.

فكان فيهم السيد العاقب، فقال لهم: والله ما باهلت أمة نبياً إلا أخذوا عن آخرهم، ولو باهلتموه والله لن يبقى حتى الطير يطير في بلادكم، فأصبحوا وقالوا: يا محمد! نعتذر عن المباهلة، ونحن على السمع والطاعة لك، واتركنا على ما نحن عليه، وابعث معنا رجلاً أميناً يحكم بيننا في أموالنا إذا اختلفنا فيها.

قال: نعم.

لأبعثن معكم رجلاً أميناً.

يقول عمر رضي الله تعالى عنه: فبت أتطلع.

أي: لينال شرف هذا الوصف ويبعث معهم، ولكن دعا بأمين هذه الأمة أبي عبيدة، فهؤلاء نزلوا في المسجد.

وعلى هذا يكون القول الراجح أنه لا يسمح لغير مسلم، أو لا يحق لغير مسلم أن يدخل المسجد بسلطة، وبنوع من التحكم، أما أن يدخل بأمان من المسلمين، وبعهد من ولي أمر المسلمين لحاجة نحن نحتاجه فيها، أو هو يحتاج إلينا فيها، كما كان اليهود يدخلون المسجد ويتحاكمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يستفتونه فلا مانع.

فغير المسلم يدخل المسجد للحاجة، فحاجته في التقاضي والقاضي في المسجد، أو الاستفتاء والمفتي في المسجد، أو للماء والماء في المسجد، أو لحاجة المسجد إليه لعمارة، أو لتدارك أمر ما، فحينئذ يسمح له بالدخول.

والقضية تدور حول قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨] ، وبعض علماء اللغة يفرق بين (نَجَس) و (نَجِس) فيقول: نجَس (بالفتح) : نجاسة اعتقاد، ونجِس (بالكسر) : نجاسة مادية، كالبول والعذرة، فهنا نجس المشركين في اعتقادهم، وكان بعض السلف -كـ الحسن - يقول: من صافح مشركاً فليتوضأ؛ لأنهم نجس.

ولكن يستدل الجمهور على أن نجس المشركين نجس اعتقاد بأنه لو أخذت سبية من العرب، وكانت تلك السبية على دين قومها.

فإذا لامسها السيد فهل لامس نجاسة؟ وقد كانوا يضاجعونهن، وكانوا يستمتعون منهن بملك اليمين، ولم يُؤمر أحد منهم أن يغسل ما لامس النجس، فهو على التحقيق نجَس اعتقاد.

وبعضهم يقول: (نجَس) باعتبار الشرع؛ لأنهم كانوا يصيبون الجنابة ولا يغتسلون، فالنجاسة نجاسة معنوية، أو نجاسة حكمية، وليست حقيقة مادية.

والذي يهمنا في هذا أنه لا يُمكَّن غير المسلم من دخول المسجد لغير حاجة.

وهنا قضية محزنة مؤسفة، ففي بعض البلاد أصبحت بعض المساجد متاحف أثرية، فهجرت الصلاة فيها، وأصبح السُّواح يرتادونها على أنها آثار، فهل تدخل في هذا المعنى أم لا؟ الله تعالى أعلم، والواقع أن هذا تقصير من المسلمين.