قال صلى الله عليه وسلم:(ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد) .
الساقطة: هي اللقطة التي سقطت من صاحبها، وقوله:(إلا لمنشد) أي: لا يأخذها شخص من مكانها إلا على نية الإنشاد، أي: الإعلام بها، فهي لا تملك بالالتقاط، بخلاف اللقطة في غير الحرم؛ فإن حكمها أن ينشدها لمدة سنة، فإن ظفر بصاحبها سلمها إليه، والإنشاد لمدة سنة إنما هو إن كانت صالحة للبقاء سنة، وإلا باعها أو تصرف فيها بعد أن يعرف قيمتها، وتكون ديناً عنده وأمانة، فإذا ظهر صاحبها أعطاه إياها، فكل ضالة أو ساقطة للإنسان أن يأخذها بنية التعريف والإنشاد، وينشدها على أبواب المساجد، أو مظنة وجود صاحبها، ولا ينشدها في المسجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال:(إذا سمعتم من ينشد ضالته في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك) ؛ لأنه سوف يستغل المسجد في غير ما وجد له، كما جاء النهي عن البيع والشراء في المسجد، قال صلى الله عليه وسلم:(إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) ، وكما قال عمر رضي الله عنه:(من أراد الثواب والأجر وسوق الآخرة فليأت إلى المسجد، ومن أراد البيع أو الشراء أو الحديث فليخرج إلى أسواق الدنيا) ، وقد بنى رحبة في غربي المسجد، وقال:(فمن أراد حديث الدنيا فليخرج إلى هذه الرحبة، ومن أراد حديث الآخرة فليبق في المسجد) فالذي يجد ساقطة في الحرم في مكة فلا يحل له أن يأخذها إلا إذا كان على استعداد أن ينشدها، ومهما أنشدها سنة أو سنوات فلا يتملكها، بخلاف الساقطة في غير الحرم المكي، فإنه يتملكها بعد سنة، فإن جاء صاحبها بعد ذلك فإن كان قد استفادها لنفسه واقتناها سلمه قيمتها، وإن كان قد تصدق بقيمتها على نية صاحبها فيخبره ويقول له: لقد انتظرت وعرفت فلم يأت أحد، فتصدقت بها على نية صاحبها، فإن قبلت الصدقة فأجرها لك، وإن لم تقبل فأكون قد تصدقت بغير ما أملك، فهذه قيمتها والصدقة لي.
وهنا يأتي السؤال: لماذا تملك ساقطة غير الحرم بعد سنة وساقطة الحرم لا تملك أبداً؟ قالوا: لأن حرم مكة يأتيه الحجاج في كل سنة من كل مكان، ولا ندري ممن سقطت تلك اللقطة، ولا يلزم أن من سقطت له ساقطة يعود في العام القادم من أجل أن ينشد ساقطته أو ضالته، ويمكن أن لا يتأتى له المجيء إلا بعد خمس سنوات على أقل تقدير، أي: في التطوع؛ كما في الحديث القدسي:(من عافيته في بدنه وأغنيته في ماله، فلا يحق له أن يهجر البيت فوق خمس) أي: خمس سنوات، فيمكن أن لا يأتي إلا بعد خمس سنوات، فنقول: هذا خاص بالحرم، فإذا سقطت لقطة من حاج آفاقي، وأنشدها الملتقط سنة أو سنتين، ولم يأت صاحبها، ولا يدري عنها أحد شيئاً، فتبقى أمانة في يد ملتقطها وينشدها إلى أن يأتي صاحبها.