بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال المصنف رحمه الله: [عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره) متفق عليه] .
هذه صورة من معاملة أصحاب الديون في ثمن المبيعات؛ لأن الرجل قد يكون مديناً في ثمن مبيعات، أو في أجرة أعيان، أو في قرضٍ عيني نقدي، وغيرها من الالتزامات المتعددة التي يلحقه الدين فيها، فإذا أفلس رجل، وصدر الحكم من الحاكم بأن يحجر عليه، وجب أن يعلن ذلك للعامة؛ حتى لا يتعاملوا معه، ومن تعامل معه بعد الحجر عليه لا يشارك الغرماء في قسمة الموجود من ماله؛ لأنه دخل على بينة بأنه محجور عليه، وتكون المعاملة معه في الذمة غير متعلقة بماله فلا يشارك الغرماء فيما يخصه، بخلاف من له دين قبل الحجر عليه، فإذا حجر الحاكم على المفلس، ثم أراد أن يبيع موجوداته، فوجد أحد الدائنين سلعته بعينها التي باعها عليه ديناً، فهو أحق بها من الغرماء سواء كان الدين كيس رز مثلاً، أو سيارة، أو بعيراً، فإذا وجد سلعته ستباع وتقسم على الغرماء بحصص ديونهم بالنسبة المئوية، وهو من ضمنهم، لكن سلعته موجودة بعينها بخلاف الديون الأخرى التي تصرف فيها، استدان سيارة وباعها، استدان ناقة ونحرها، استدان كذا وصرفه، أو استدان كذا وصنّعه، لكن هذه السلعة بالذات ما زالت موجودة على ما هي عليه، فصاحبها أولى بها، ولكن بشروط أوصلها بعضهم إلى خمسة شروط: ١- ألا يكون أخذ من الثمن شيئاً؛ لأنه لو كان أخذ من الثمن شيئاً سيكون هناك اشتراك.
٢- ألا يكون المشتري المفلس المحجور عليه باع بعضها، كما لو اشترى منه وسقاً من التمر، ثم باع منه خمسة أو ستة صيعان.
٣- ألا يكون تصرف بجزء منها.
٤- ألا يكون تعلق بها حق الآخرين، كما لو أدخلها في شركة مع أناس آخرين.
٥- ألا تكون السلعة تغيرت بزيادة أو بنقص، زيادة في ذاتها لا في قيمة السوق، فلو اقترضها يوم اقترضها وهي تساوي ألف ريال، والآن صارت تساوي ألفين أو تساوي نصف ألف فالدائن أحق بماله، لكن لو اشتراها وهي حائل، فحملت، فهذا الحمل زيادة من حق المفلس، ولو اشتراها وهي حامل فنتجت، فإذا أبعدنا النتاج نقصت، أو إذا اشترى العبد بنسيئة، وعند الحجر كان العبد قد تعلم صنعة، أو تعلم مهنة يكتسب منها فهذه زيادة، أو اشترى الجارية البكر وعند الحجر عليه لم تعد بكراً؛ لأنه قد استمتع بها، فهذا نقص فيها، فيقولون: صاحب السلعة أحق بها من الغرماء ما لم يحدث فيها تغير، وما لم يكن قد استلم من قيمتها شيئاً، وما لم يطرأ عليها زيادة أو نقص، وما لم يتعلق بها حق الآخرين.
فقوله:(من أدرك ماله بعينه) يعني: أدرك ماله بعينه وذاته في أموال المفلس التي يراد بيعها لتوزيع القيمة على الغرماء، فأدركها بعينها فهو أحق بها، ونقول له: خذ سلعتك لكن بتلك الشروط.