هذا الحديث تتمة لما تقدم بيانه من أن المرأة الخثعمية سألت:(فريضة الله في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً) .
وهكذا ثبتت صحة حج الإنسان عن الغير عند الجمهور، وكذلك الحج عن الميت إن أوصى أن يحج عنه، وهذا عند مالك فقط، إذن: يجوز أن يحج إنسان عن غيره، لكن ما هو المشروط في هذا النائب في حجه عن الغير؟ وللجواب على ذلك جاء المؤلف رحمه الله بهذا الحديث.
الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع إنساناً يطوف بالبيت قائلاً:(لبيك اللهم عن شبرمة) اسم علم، قال: من شبرمة هذا؟ أي: ماذا يكون لك؟ قال: أخ لي، أو صديق لي، أو قريب لي، الشك من الراوي؛ لأن الملبي سمى واحداً فقط، لكن الراوي التبس عليه أي الألفاظ قال.
يهمنا أنه حاج عن غيره، فسأله صلى الله عليه وسلم:(أحججت عن نفسك؟ -أنت الآن تحج عن شبرمة، فهل حججت عن نفسك أنت؟ - قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) .
وعلى هذا فعند الجمهور: من لم يحج عن نفسه لا يتأتى منه أن يحج عن الغير، لكن لو قدر أن وقع ماذا يكون؟ هذا هو الفقه.
مدلول النصوص قد يستوي في إدراكه الكثيرون، ولكن فقه الحديث قد يختص به العلماء وسلف الأمة رضوان الله تعالى عليهم، فلو وقع وجاء إنسان ولبى عن غيره، وهو لم يحج عن نفسه، قالوا: تقع الحجة عن نفسه، وإن كان قد أخذ أجراً من ولي أمر الذي يريد أن يحج عنه، فما أخذه دين في ذمته، فإن شاء حج في السنة التي تليها عمن أراد، وإن شاء رد الأجر على أهله.