للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلاف العلماء فيما لو أتى الخطيب بمقدمة فيها معنى الحمد والثناء]

قال رحمه الله تعالى: [وفي رواية له: (كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه) ] .

يقولون: إن عبارات النحت هي التحميد والتسبيح والتهليل والحوقلة، فالتسبيح: سبحان الله، والتحميد: الحمد لله، والتهليل: لا إله إلا الله، والحوقلة: لا حول ولا قوة إلا بالله.

ويبحث الفقهاء فيما لو أن الخطيب أتى بلفظ سوى الحمد يؤدي معناه الشكر لله والثناء عليه، فالأئمة الثلاثة على أنه لا يجزئ، وعند الإمام أبي حنفية رحمه الله أن أي عبارة تفيد الثناء فهي مجزئة، كالحال في تكبيرة الإحرام (الله أكبر) حيث لا تنعقد الصلاة إلا بهذا اللفظ، عند الثلاثة خلافاً له.

فقوله: (يحمد الله) ، أي: يقول: (الحمد لله) ، وأحب أن أنبه على شيء كثر استعماله، حيث نسمع كثيراً من الخطباء يقولون: (إن الحمدَ لله) ، وهنا ورد: (الحمدُ لله) ، فهل جاء في القرآن (إن الحمدَ لله) أم أن كل الصيغ (الحمدُ لله) كالتي في الفاتحة والكهف ونظائرهما؟ يقول العلماء: إن (أل) في (الحمد) للاستغراق، فاستغرقت جميع المحامد، وحينما تقول: (الحمد لله) فهي إنشاء منك بحمدك لله، وحينما تقول: (إن الحمدَ لله) فإن (إن) تدخل على الجملة الخبرية، فالمبتدأ اسمها والخبر خبرها، فكأنك حين تقول: (إن الحمدَ لله) تخبر بأن الحمد لله، فهل الذي يخبر بأن الحمد لله يثبت له أنه حمد الله أم أن ذلك مجرد إخبار فلا يتناسب مع تقديس المولى سبحانه ولا مع أداء المعنى المطلوب، فكونهم يجدون هذا اللفظ مستجداً ويستسيغونه لا يخرجه عن أن يكون مغاير للمعنى الأصلي المراد بحمد الله سبحانه.

فقول: (إن الحمدَ لله) لا تؤدي المعنى الذي جاء في كتاب الله والذي جاء في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو (الحمدُ لله) .

وبجانب الحمد يأتي بذكر الثناء والشكر، فهن ثلاث كلمات، أما الشكر فهو في مقابل النعمة، وفي الحديث: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) ، وفي الحديث: (من صنع لكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى ترون أنكم كافأتموه) .

أما الثناء فهو امتداح شخص فعل خيراً ولو لم يكن للذي يثني عليه، كما لو سمعت بطبيب ماهر أجرى عملية جيدة لإنسان لا يتصل بك بصلة من الرحم ولا من القرابة ولا غيرها، فإنك تثني على هذا الطبيب لمهارته في فنه بأنه أجاد العمل، فأنت تثني عليه لمهارته في عمله.

أما الحمد فإنه امتداح لكمال ذات المحمود، لا لخيرٍ جاءك منه ولا لضرٍ دفعه عنك، ولا مقابل جميل أو معروف أسداه لغيرك ومهر فيه، إنما هو لكمال الذات ولو لم يصدر منها شيء، ولا يكون كمال الذات إلا لله سبحانه، ومن هنا قيل: إن (أل) في الحمد للاستغراق، وتستغرق جميع المحامد التي تحتويها لغات العالم، وتدركها قلوب الناس، فكلها مجموعة لله سبحانه، لكمال ذاته وتنزهه سبحانه وتعالى.