في آخر هذا الحديث:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن عقبة الشيطان، وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وفي لفظ: افتراش الكلب.
أما صفة عقبة الشيطان كما يفسرها علماء الحديث فهي أن ينصب ساقيه ويثني ركبتيه، ويجلس على الأرض على إليتيه، كالذي يعقد الحبوة، وعقد الحبوة هو: أن يأخذ الإنسان حزاماً أو نوعاً من الخيوط ويجعله خلف ظهره ثم يديره على ساقيه ويعتمد عليه، وكان هذا المنظر كثيراً ما يرى في المسجد النبوي، ويفعله الشيوخ وكبار السن خاصة بعد صلاة الصبح حينما ينتظرون في مجلسهم يذكرون الله حتى تطلع الشمس، وأحياناً بعد المغرب والعشاء، وحينما يفعل مثل هذا ويجعل يديه إلى الأرض، وركبتيه إلى الأعلى؛ فهذه عقبة الشيطان، وليس فيها حبل ولا حبوة، وبعضهم يصف عقبة الشيطان بأن ينصب القدمين، ويجلس على العقبين، ولكن هذه مردودة لأنها هيئة رواها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وفي قول أم المؤمنين: (كان ينهى عن عقبة الشيطان) ، ما خصصت رجلاً ولا امرأة، فالنهي في هذه الهيئة في الجلوس ممنوع بصفة عامة، وافتراش الرجل ذراعيه افتراش السبع يظهر هذا، ويتبين أكثر ما يكون في الكلب -أعزكم الله-، والسبع يطلق على كل حيوان مفترس، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في دعائه على رجل:(اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) ، فقالوا: الكلب يطلق على السبع، والسبع يطلق على الكلب، وقالوا: الكلب سبع؛ لأنه يفترس بنابه ويأكل اللحوم، وافتراش الذراعين كافتراش السبع هو: أن يمكن ذراعيه مع المرفق على الأرض؛ فطبيعة السجود أن يسجد بباطن الكفين على الأرض، والمرفق مرتفع عنها، ولا يكون ملامساً لها، والسنة أن يرفع المرفقين عن الأرض، ويكون معتمداً على الكفين فقط.
وإذا كان معتمداً على الكفين فأين يكون المرفقان؟ يرفعهما، ويجافي بينهما وبين ضبعيه، ولا يلصقهما بجانبيه، وتنصيص أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها على الرجل يدل بمفهومه على أن المرأة بخلاف ذلك، وهو مفهوم المخالفة وليس مفهوم صفة، والفرق بينه وبين مفهوم الصفة أن مفهوم الصفة لا حكم له في التشريع، ومفهوم الصفة إنما يتعلق باسم الجنس، فعندما تقول: أكلت تفاحاً لا يمنع أن تكون أكلت معه موزاً، وهل الإخبار بأكل التفاح يمنع أن تكون أكلت غيره معه؟ لا، ولكن لم آكل إلا التفاح! هنا جاء الحصر، ومنع أن تكون أكلت مع التفاح غيره.
لكن عندما تقول: بنى هذا البيت رجل، فمفهوم المخالفة: ليس امرأة، وإذا قيل: من يوجد في هذا البيت؟ توجد فيه امرأة، ومفهوم المخالفة: أنه لا يوجد فيه رجل، فإذا قلت: فيه امرأة، قالوا: هنا مفهوم الصفة، ومفهوم الصفة له عكسه، وينفى عنه الحكم، تقول: الصغير لا تكليف عليه، إذاً: الكبير عليه تكليف؛ لأن مفهوم صفة الصغير عكسها الكبير، فيكون له عكس الحكم.
وأنصح الإخوة طلبة العلم أن يرجعوا في هذه النقطة -وهي موضع خلاف عند الأصوليين- لأضواء البيان لوالدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في قوله سبحانه:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ}[النور:٣٦-٣٧] ، بعض الناس يقول: هذا مفهومه مفهوم اللقب، ولا يمنع أن يسبح له فيها نساء، والشيخ يقول: التحقيق: أن المفهوم هنا مفهوم صفة لا مفهوم لقب؛ لأن حضور الجماعات وإقامة الصلاة في المساجد إنما هو من خصائص الرجال، فكون المرأة تحضر لا بأس وتصح صلاتها، ولكن صلاتها في بيتها خير من حضورها المسجد، إذاً: هي ليست مرادة أصالة في هذه الآية الكريمة، لمجيء امرأة من بني سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول:(يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت ولكن صلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك معي) ؛ لأن فيه تقريب المشوار، واختصار الطريق (وصلاتك في عقر دارك خير من صلاتك في مسجد قومك) ، فإذا كان هذا شأن المرأة فهل يناط بها الحكم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} ؟، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(لا تمنعوا إماء الله بيوت الله) ، وجعل لها شروطاً.
وأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها تنبه هنا: أنه نهى عن عقبة الشيطان، لكن نهى من؟ لم تعين المنهي المتوجه إليه النهي، فيكون عاماً في الرجال والنساء، ولكن في افتراش السبع قالت:(نهى الرجل) ، إذاً: المرأة لها حكم آخر، وما دامت المرأة لها حكم آخر، فذكر الرجل مفهوم صفة له عكس الحكم؛ ولذا اتفق العلماء على أن المرأة لا تفعل كما يفعل الرجل في الصلاة، الرجل يجافي بين عضديه، وبين منكبيه وعضديه، ويكون هناك فجوة، وإن كان بعض الإخوة ربما بالغ في ذلك، إذا صلى في الجماعة تمدد بيديه ونزل على كفيه، وجنح بيديه يميناً ويساراً فيضايق من بجواره، وليس الأمر كذلك؛ إن كنت منفرداً فلا بأس وافعل ما شئت، لكن مع عدم الخروج عن اللياقة، وإن كنت في الجماعة فيجب أن تحافظ على الجماعة الذين يصلون عن يمينك ويسارك، فالسنة في الرجل مهما كان ألا يلصق منكبه بجانبه، بخلاف المرأة فإنها تضم نفسها وتفرش ذراعها، فالمرأة حكمها: أن تفترش الذراعين وتضمها إلى ضبعيها؛ لأن في تفريجها شيئاً من إظهار جسدها، أما ضمها نفسها ففي ذلك زيادة في تسترها.
إذاً: نهي الرجل خاص به، بخلاف المرأة فلها أن تفترش افتراش السبع، ويكون ذلك نوع من سترها في صلاتها، وكما يقال: كل له حكمه.