الفأرة مخالطة للناس، وقد بيّن صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل معها، كما بين لنا كيف نتعامل مع الذباب، (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم) ، ولا أظن أحداً في الدنيا لم يسقط الذباب في كأس في يده؛ لأنه مخالط للناس، وسبحان الله جربها في حياتك، خذ طعاماً وشراباً واذهب إلى الربع الخالي -يمكن خالي حتى من الجن- وضع الطعام واجلس خمس دقائق، تجد الذباب عندك، من أين جاء؟ أمسافر معك أم خرج من الأرض أم نزل من السماء؟! لا ندري! قل أن تضع الطعام في مكان إلا وجدت الذباب، ويقولون -والله أعلم-: إلا منى أيام التشريق فقط، وبعد أيام التشريق لا تستطيع أن تجلس فيها من كثرة الذباب، والبعوض، والحيوانات الأخرى.
إذاً: علمنا صلى الله عليه وسلم إذا سقط الذباب في الإناء ماذا نفعل؛ لأن هذا أمر وارد وبكثرة:(فليغمسه ثم لينزعه) ، وبعد هذا تشرب، ومن الخطأ عند بعض الناس إذا وقع الذباب في الكأس رماه حالاً، وأفرغ ما فيه، وهذا غلط؛ لأن الحديث فيه قوله صلى الله عليه وسلم:(فليغمسه، ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء، وفي الأخر شفاء) ، وهذا قامت عليه أبحاث في أوروبا عجيبة جداً، كيف يكون في حشرة صغيرة: أحد الجناحين داء، والثاني دواء؟! وما الذي ميّز بين هذا وذاك؟ وكتبت كتابات طويلة ما نحب أن نضيع الوقت في إيرادها، لكن يتفقون طبياً: أنهم وجدوا مبيد البكتريا في الأنبوب في مؤخرها، وهو أقوى من أي مبيد على وجه الأرض، أي: واحد على مائة ألف، وقالوا: أنها إذا غمست في الماء؛ ضغط الماء على الأنبوب فينفجر عما فيه فيطهر السائل.
فالذي رأى الذباب سقطت بالكأس فإنه يراه يدلي بالجناح الذي فيه الداء، ويرفع الجناح الثاني الذي فيه الدواء، فحينما تغمسها بكاملها تكون قد جمعت الجناحين، وكان الجناح الذي فيه الدواء يقابل الجناح الذي فيه الداء، ويطهُر السائل من دائه، أما إذا صببته فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، وقد فعل، وأصبح السائل ملوثاً؛ لأن الجناح الثاني مرفوع فوق، فإذا أرقت هذا الماء فإن جدران الكأس تحمل من داء جناحه ما يكفي للتلويث، ولو غسّلته بالصابون وبالتراب فلا ينقي كما لو غمست الجناح الثاني، وهذه حكمة الله سبحانه وتعالى، وهو الأعلم بمداها وكيف أوجدها.
كنت مع طبيب مَعامِل تحليل، وذهبنا العمرة معاً، ونزلنا في رابغ أيام ما كان الذباب فيها منتشراً بكثرة، فجلسنا في القهوة، وتغدينا، وأتينا بالشاي، فانتظرت قليلاً فإذا بذبابتين بقدر النحل يتضاربان، فسقطتا في الكأس أمامي.
فقلت هذه فرصة، ولاحظت نظرات الدكتور، وتغافلت عن الذباب، فقال: عطية! عطية! إلحق! إلحق! فغمزتهما إلى الداخل، ورميتهما، وأخذت أشرب، أنا أريد أن أثير الدكتور؛ لأني أعرف أن هذا عند الدكاترة شيئاً كبيراً، قال: هاه! ما هذا؟! ما هذا؟! قلت له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذه أيضاً فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وكان كثيراً ما تأتي مناسبات وأقول له: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال مستغرباً: أهذه أيضاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت له: نعم، قال: ماذا قال؟ قلت له: كذا وكذا، قال: عجباً! إن هذا الحديث صحيح، قلت: ما أدراك بالصحيح والضعيف، وأنت في الطب وما إليه؟ ما أدراك بهذا؟ قال: كنت في ألمانيا أدرس، فانقطعت علينا المصاريف بسبب الحرب العالمية الأخيرة، وذهبت للعمل في مطعم أنا وثلاثة زملاء، فكنا ندرس الطب في الصباح، وفي الليل نغسل الأواني؛ حتى نعيش ونواصل دراستنا، وهذه والله الرجولة الصحيحة.
يقول: وفي وقت من الأوقات إذا بلوحة في الكلية في الفانوس الخاص بالإعلانات، فيها إعلان: اكتشاف بكتريوج -أي: مبيد البكتريا- من الذباب، وتعجبت وتتبعنا هذا.
أقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نتعامل مع ما يخالطنا في بيوتنا وحياتنا، أما الذباب فعلمنا كيف نتعامل معه، ويقول الأطباء القدامى: أعظم كحل للعين هو الذباب، إذا جمعته في (ماصورة) صلب، وأحرقته على النار، ثم سحقته واكتحلت به، لكن لا تذهبوا وتفعلوا ذلك وتقولوا: فلان قال لنا.