وكذلك نهى عن بيع الخنزير ولو كان حياً، ولماذا لا يباع ولحمه يؤكل، وشهي عند أصحابه وأربابه؟ فلماذا نهى عنه؟ لابد من علة، ما هي هذه العلة؟ هل لأنه ميتة؟ لا، لأنه نهى عن بيع الخنزير وهو حي يمشي على أربع، والعلة في النهي عن بيع الخمر هي النجاسة، والعلة في النهي عن بيع الميتة النجاسة، إذاً: الخنزير يشترك مع الخمر والميتة في النجاسة، ولذا ورد في النص الكريم:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ}[الأنعام:١٤٥] والرجس: النجس.
إذاً: هذه الثلاثة نهى صلى الله عليه وسلم عن بيعها لنجاستها.
الشيء الثاني: هناك جوانب تدل على حكمة التشريع، فالخمر ولو لم تكن نجسة فهي ضارة، والمضر لا يجوز استعماله؛ لأنه يضر بالجسم، ويكفي في ضررها أنها تزيل العقل، وتسلب الإنسان أعز ما به كان إنساناً، والميتة ضارة بعينها على جسم الإنسان، والإنسان ممنوع من تعاطي ما فيه ضرر عليه، والخنزير كذلك، ويذكر أبو حيان رحمه الله في تفسيره عند الكلام على لحم الخنزير، قال: إن الخنزير مفقود الغيرة، لا يغار الذكر على أنثاه -يقول-: وقد شاهدنا من أكثر من أكل لحم الخنزير أنه سلب الغيرة، فيرى زوجه تلاعب غيره على مرأى منه ولا يتأثر، وأي مضرة ومصيبة في افتقاد الرجل الغيرة؟! وسبق أن قلت: الغيرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: غيرة جنونية، ويسميها علماء الاجتماع: الغيرة السوداء وهي: التي تحجب عن صاحبها الرؤية؛ فيبطش، ويفعل كل ما بدا له غيرة، والأمر لا يحتاج إلى هذا كله، وغيرة حمراء، وهي: الغيرة التي تدفع صاحبها للذب عن محارمه، ويغار على محارم الله، وهذه هي الغيرة المشكورة فإن زادت أفسدت، وإن ضعفت أفسدت؛ لأنه لا يغار على محارمه، ولا يغار على محارم الله، وأصبح لا غيرة له كما قال أبو حيان رحمه الله.
ومن المضار الصحية في لحم الخنزير: ما قرره الأطباء من أنه ينتج عنه دود العضل، والدود معروف وغالباً يكون في المعدة، ويُعالج بالدواء وينتهى، حتى الدودة الشريطية التي طولها اثنا عشر متراً، وتعيش في المعدة، ولكنها تُعالج وتخرج بدواء خاص، أما الدود الذي في العضل، في الفخذ أو في اليد أو في الزند فلابد من شق العضلة، ولقطه بالملقاط: واحدة واحدة، وهذه أكبر مصيبة.
إذاً: نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الخنزير؛ للعلة التي اشترك فيها مع الميتة والخمر، والمنصوص عليها في كتاب الله بأنه رجس.