[شرح حديث:(لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره)]
قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع جارٌ جارَه أن يغرز خشبةً في جداره.
ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين؟! والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم!) .
متفق عليه] .
هذا الحديث قاله أبو هريرة رضي الله تعالى عنه حينما كان أميراً على المدينة في زمن مروان بن الحكم، فهو أمير ينتهي إليه الأمر، وكان يتولى القضاء والإمارة والفتوى إلخ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يمنع جارٌ جارَه أن يغرز خشبةً في جداره) ، وهذا الحديث يبين حق الجوار، وذكره المؤلف في باب الصلح ونبهنا أن كثيراً من العلماء يقرن الصلح وحقُّ الجوار، بجامع أن كلاً منهما فيه تنازل، وفيه تعاطف، وفيه تعاون، حق الجوار من باب مكارم الأخلاق، وكذلك الصلح من باب المروءة ونحو ذلك، فيجمعونهما معاً.
فهذا الحديث ليس من باب الصلح، إنما هو من باب بيان حق الجار على جاره، ففي هذه الجزئية يروي وهو أمير حديث:(لا يمنع جارٌ جارَه) ، والجار هنا هو المجاور الملاصق؛ لأن الجار قد يُطلق على البيت المقابل في الشارع، والجار قد يصل إلى سبعة بيوت أو إلى أربعين بيتاً أو إلخ، فالجار هنا المراد به: الملاصق في البنيان، وكانوا قديماً إذا جاء إنسانٌ يبني بجوار بيت إنسان، لا يبني جداراً بجوار جداره، بل يكتفي بجدار الجار ساتراً عليه، وقد يبنيان الجدار معاً، ويكون الجدار مشترَكاً؛ ولهذا الجدار مباحث في الفقه، فلو تنازع الجاران في هذا الجدار، قال أحدهما: هذا ملكي، وقال الآخر: لا.
ملكي، وكلٌّ ادعاه لنفسه، فيقول ابن القيم في إعمال القرينة: يُنظر إلى عقود القُمُط ويُنظر إلى الطياق، فالإنسان في جدار بيته ربما يعمل تجويفاً وهو ما يسمونه: الطاقة غير المفتوحة، والعادة أن تكون من داخل الجدار؟ فإذا تشاحَّ جاران في جدار واحد، ننظر إلى فتحة الطاقة، هل هي مفتوحة إلى هذا اليمين أو مفتوحة إلى هذا اليسار؟ فمن كانت مفتوحةً إلى جهته يكون الجدار له هو.
وكذلك القُمُط التابعة للطياق أو إلخ.
وكانوا إذا بنى الإنسان من جهة الجار، أقام ثلاثة جدران، وعند التسقيف يجعل الخشب معترضاً إلى جهة الجار والجهة الأخرى، فيقع الخشب على جدار الجار، وقد يضع الخشب معترضاً بمُسامَتَة الجار، فيكون الخشب بعيداً عن جدار الجار، ولنفرض أن الجار غربي وشرقي، والجدار بينهما في الوسط، فإذا كان امتداد الخشب من شرق إلى غرب ستكون أطراف الخشب على جدار الجار، وإذا كانت أطراف الخشب من الشمال إلى الجنوب فهي بعيدة عن جدار الجدار.