لا شك أن القبر مظلم، وهو أشد ظلمة من ظلمات الدنيا، لا يأتيه ضياء ولا هواء، إلا رحمة الله، وهنا يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي سلمة أن ينور الله له في قبره ومن أين يأتي هذا النور؟ لا توجد شمس، والعالم كله يقول بأن الشمس هي مصدر النور، حتى القمر يقولون: يستمد ضوءه من الشمس، وقد خالف في ذلك بعض العلماء، ونحن لسنا بفلكيين في هذا الموضوع.
وقد جاء عن علي رضي الله عنه لما رتب أمير المؤمنين عمر صلاة التراويح في المسجد جماعة، وأمر بإسراج المساجد في رمضان، فدخل علي رضي الله عنه فقال: نور الله عليك قبرك يا ابن الخطاب كما نورت مساجدنا.
وتنوير القبر إنما هو من رحمة الله، فنحن لا ندري، وليس لنا طريق أن ندري كيف يكون نور القبر؟ إنما هو من رحمة الله بالعبد، وما دام أن قبره روضة من رياض الجنة فإن الجنة ليس فيها ظلام.
إذاً: يأتيه النور من رحمة الله وجزاءً لحسن عمله، وهو إكرام من الله مهما يكن له من عمل، وهذا النور إلى أن تقوم الساعة، ولو حسبنا كل أربعة وعشرين ساعة بدرهم لما وفى حقها، لكنها رحمة الله.
هذا هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل في جهره صلوات الله وسلامه عليه بالدعاء ليسمعه الحاضرون فيتذكروا ويعلموا أن الإنسان أحوج إلى أن يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، وأن أخوف ما يكون عليه ضيق القبر وظلمته، كي يعمل لذلك اليوم، ويرجو في الله خيراً.
وقد جاء عن بعض السلف أنه كان يداوم على صلاة ركعتين من صلاة الأوابين، وهي كما قيل ما بين المغرب والعشاء، فكان يصليها بنية أن ينور الله عليه قبره.
ومهما يكن من شيء؛ فقد جاء الحديث يبين حالات غيبية من خصائص ذلك اليوم، وجاء القرآن {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}[الحديد:١٢] ، وجاء الحديث:(إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء) وتتمة الآية: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ}[الحديد:١٣] .
إذاً: الله سبحانه وتعالى ينير القبر للمؤمن، ويرزقه نوراً يوم القيامة، وكذلك تنور مواطن الوضوء، نسأل الله أن يرحمنا جميعاً.